أبو العباس محمد كل عام وانتم بخير.. هذا الاسبوع لن احدثكم عن اسعار اللحوم الملتهبة وشواء واكتواء اجسادنا بنارها ولن احدثكم عن كيف ان الغالبية منا لم تستطع ان تشتري خروف العيد او حتي فرخة وقفة العيد، فالقادرون الاغنياء فقط هم الذين اشتروا وذبحوا وضحوا واستمتعوا بلحم الشواء، اما الفقراء فلهم السقط والفرو والجلد.. طبعا لن انغص عليكم عيشتكم واحدثكم عن ذلك وأذكركم بأن كيلو الضأن القائم سعره الآن تجاوز ال 22 جنيها وكيلو العجالي 17 جنيها في حين انه وقبل عامين فقط كان كيلو الضأن القائم ب 11 جنيها والعجالي ب 9 جنيهات، وانهما وبخمسمائة جنيه أو اكثر قليلا كنت تستطيع شراء خروف الاضحية وتذبح وتهيص وتغني العيد فرحة والعيد لحمة وفتة. لا اعتقد انني كنت سأتحدث عن هذا الامر او اتطرق اليه مهما كان وارتفعت الاسعار واشتعلت وحتي لو كانت اسعار »الخرفان« برخص التراب وببلاش وتوزع كهدايا مجانية علي العجول البقري او العجول البتلو. فما يشغلني عن »الخرفان« ليس اسعارها ولا لحومها وأصوافها الحكاية بالنسبة لي كانت تتعلق بجانب آخر من جوانب قضايا »الخرفان« الا وهي قضية حقوقها وكرامتها وحسن التعامل معها سيما القضية التي هزت وجدان الانسان العربي ومنظمات المجتمع المدني وهي احترام الحقوق الانسانية والسياسية للخروف الاسترالي، وانما اضف اليها قضية الخروف السياسي والانسان الخروف العربي. فقبل ليلة العيد بأسبوع تقريبا وبينما كانت اتجول مع بعض الاصدقاء بحثا عن أضحية مناسبة تتوافق وقدراتنا المالية وتقربنا الي الله وتغفر لنا ذنوبنا وتكفر عنا سيئاتنا.. فوجئت بمن يصرخ في اذني: اتفضل يا استاذ، اتفضل يابيه شادر »خرفان« الأمم، خرفان استرالي - خرفان عربي - صومالي، سوداني، مصري - »خرفان« الحرية والكرامة والعدل والمساواة، خرفان تتمتع بأعلافها الديمقراطية وبكامل حقوقها وبإشراف وتفتيش دولي مباشر.. كانت اللافتة المعلقة علي الشادر مبتكرة وجديدة وكان كلام التاجر عن خرفانه الأممية وقدرته ومهاراته في ترويج بضاعته جذابا ومثيرا للاهتمام فعلا وكان جو هذا الشادر الاممي مختلفا عن غيره من اجواء الشوادر المجاورة حيث رأينا النظافة الملحوظة في ملابس وحسن مظهر الصبية الذين يقومون علي رعاية »الخرفان« وشعرنا ورأينا معاملتهم الرقيقة الحانية ونظافة المكان واتساعه ومواصفاته الصحية والمياه المعدنية والاعلاف الخضراء او الجافة كاملة العناصر الغذائية بل لا اغالي اذا قلت إننا سمعنا اصواتا موسيقية هادئة كانت تنبعث من ارجاء المكان اضفت علي الشادر مايمكن ان يطلق عليه برومانسية الأضاحي!! وأما الشيء الغريب الذي ادهشنا حقا ان سلوك »الخرفان« ومظهرها وبنيانها الجسماني وحالتها النفسية كشفت لنا ودون عناء عن جنسياتها او معرفة ان كان ذلك الخروف استراليا او صوماليا او مصريا. ولقد تحققت من صحة هذا الاعتقاد عندما اشار لي التاجر علي جنسية خروف كان يقف في ركن بعيد من الشادر وسألني عن جنسيته وأجبته علي الفور دون تردد انه استرالي، فعاد يسألني مرة اخري: وكيف عرفت ذلك.. قلت له: ان هذا الجسم المتناسق الرشيق والصوف اللامع النظيف لايمكن ان يتمتع به الا خروف استرالي ولكن لماذا اراه حزينا مكتئبا الي هذا الحد، فلابد ان تعلم ان الذي لفت انتباهي الي معرفة جنسيته ليست رشاقته او جمال وروعة وقيمة فروته ولمعان ونظافة صوفه وانما نظراته الزائغة وحيرته وانطوائه علي نفسه، فهذا الخروف بالتأكيد هو اليوم يندب حظه الذي جاء فيه الي هنا ورأي احوال »الخرفان« العربية والمصرية علي هذا الحال اليائس البائس وكيف ان رعاتهم يسوقونهم بالتجويع وركل الليات والضرب بالعصا والجر بالحبل وكسر القرون. قال صاحب الشادر: انه يعيش حالة نفسية سيئة فعلاً ليس لمجرد أنه رأي اصدقاءه الخرفان المصريين والعرب علي هذا الحال السيء وانما لكونه يتذكر ايام طفولته وصباه والايام الخوالي وكيف كان يرتع في المزارع الاسترالية الخضراء الشاسعة، ويشرب من عيون المياه العذبة كنا نستمع لصاحب الشادر وهو يشرح لنا الحالة النفسية للخرفان الاسترالي ونحن تنتقل بين جنسيات »الخرفان« الاخري، ووجدناها فرصة لنقوم ومن خلال التنقل بين هذا الجنسيات ان نعرف المزيد عن عالم الخرفان ولغاتها واحوالها النفسية والمعيشية، فالخروف الصومالي مثلاً عرفناه من نحافته وسلوعته، وكيف بدت عليه مظاهر الجوع والحرمان لكنه وللحق كان هادئا مطمئنا شجاعا مبتسما واما الخروف المصري فقد كان حائرا مقفهرا متوترا قلقا ولا يكف عن المأمأة وطلب النجاة والخروج من الشادر في اقرب فرصة.. لقد اخبرني تاجر »الخرفان« وكان خريجا جامعيا ومثقفا ومتعلما.. بما لا يخطر علي قلب بشر عندما قال لي متسائلا: هل يوما رأيت الخرفان تتكلم وسمعت حوارا سياسيا بينها قلت: تعني حوار بالمعني المعروف للحوار أم انه مجرد احتكام بالصوف واللية والركلات وتناطح بالقرون؟ قال: بالأمس وبينما كنت مشغولا باعداد العليقة والذي منه، سمعت همسا وهرجا ومرجا وتمتمة تدور بين ثلاثة »خرفان« صومالي ومصري واسترالي، كان الخروف المصري سعيدا ومبتهجا كل السعادة، الابتهاج لأنه تأكد من بيعه وان نهاية حياته المعذبة وخلاصه منها قد اقتربت، فلما رآه الخروف الاسترالي علي كل هذه السعادة استغرب أمره وسأله: انت ايه خروف زهقان من حياتك ودنيتك لهذه الدرجة، انت صحيح خروف جبلة وماعندكش احساس فنظر له الخروف المصري متعجبا وقال: اللي مايعرفش يقول عدس.. ياعم الاسترالي انت من حقك تزعل وتحزن وتلعن حظك لأنك عايش وهايص، لكن احنا يادوب عايشين علي المية بالمجاري وبقايا العيش المدعم في الزبالة واهه الدعم هايلغوه يبقي العيشة دي ولا سكينة الجزار!! كان في هذا الوقت الخروف الصومالي يتابع الحوار وبتلقائية سأل الخروف المصري: بس الحياة وعذاب الحياة لا اعتقد انه ممكن يجعل الخروف منا بهذه التناحة والبلادة ويرحب ويفرح بالذبح والموت لهذه الدرجة. أحس الخروف المصري بالاهانة، وانه اصبح فرجة، فنظر للخروف الصومالي، وقال له: مش ناقص الا انت يامسلوع تتكلم.. انتم عندكم لما تاكلوا ذرة بتعملوا فرح.. انتم خرفان جعانة وجربانة.. انت نسيت انك عربي ومضروب علي ليتك زينا انت كمان ولا عشت الدور انك افريقي وحر.. تغير وجه الخروف الصومالي وصاح قائلا: مسلوع آه.. بس حر.. انا خروف حر.. اظن عمرنا ما نرضي بالذل أبدا.. شوف أكبر دولة في العالم، امريكا اللي كل العرب رايحين جايين عليها بس.. بيحصل ليكوا إيه ومستضيفينها في بلادكم.. احنا سحلنا جنودها في شوارعنا، وخرجت من بلادنا في ايام.. حاول الخروف المصري الرد، ففوجئ بالخروف الاسترالي يقول له: شايف الباب الاستانلس بتاع الشادر هناك.. روح بص فيه وشوف منظرك، حالتك ما يعلم بيها الا ربنا، عيب تشوف نفسك علي خروف صومالي غلبان، لو عنده نصف اللي عندكم كان زمانه ملك عندكم..!! بلادكم كلها خير وبترول وانهار وآثار ومعادن.. وحالكم عجب.. احنا في استراليا بيحلقوا لي خمس او ست مرات علشان يستفيدوا بالصوف بتاعي ويأكلوني بثمنه.. باكل بثمن صوفي.. مش مقضيها نوم ومعاش مبكر.. ولا مستنيين شركات اجنبية وخبرات اجنبية تحلق لكم الصوف بتاعكم وتديلكم نسبة من ثمنه.. زي البترول والثروات اللي في بلادكم وبيستخرجوها ويتمتع بيها غيركم، وعينك ماتشوف الا النور.. الخروف الاسترالي وقف يخطب ويقول: نحن كلنا خرفان صحيح، لكن خرفان كرامة قرونها وليتها محفوظة، البرسيم المسرطن مانعرفوش، الزبالة واكل الزبالة مانعرفوش، ولما ندبح ماندبحش بسكين مخصخص ولا اجنبي، ولما ندبح بياكلنا الغني والفقير، بعدها فوجئنا بأن الخروف المصري فص ملح وداب واكتشفنا اخيراً انه هرب مع واحد مهاجر علي ايطاليا، لكن للاسف لاتدري نفس بأي ارض تموت فيادوب من دقائق الجورنال نشر خبرا يقول: لقد تم العثور علي جثة خروف مصري كان يحاول العيش في اوروبا والهروب من زريبة »المنهوبة« المحروسة سابقا التي كان يعيش فيها. عن صحيفة الوفد المصرية 22/12/2007