تحولت حجرته إلى دولاب مفتوح، ملابس هنا وهناك، مثل مَن فى سنّه يكره ترتيب ملابسه، خاصة إذا كان كثير الخروج. كلما عاد من مكان ألقى بما ارتداه على الأرض أو السرير. كلما دخل أحد غرفته خرج على الفور، فلا مكان لوضع قدم فيها، ولكن نظرته للمكان لم تكن كغيره، فمن الفوضى رسم لوحات عدة.. وجوه لشخصيات معروفة أو غير معروفة رسمها مستخدماً ملابسه الملقاة فى كل جانب. لم يقدم «محمد» كغيره على استكمال تعليمه والالتحاق بمعهد أو جامعة، فبمجرد حصوله على دبلوم صناعى قرر أن يشق طريقه فيما يحب كما قال: «على مزاجى، مش على مزاج الناس»، فدائماً كان يضع مبدأ «أحب ما تعمل، حتى تعمل ما تحب» نصب عينيه، فعمل بطباعة الملابس لمدة 3 سنوات، من مطبعة لمطبعة انتقل، إلا أنه وصل للنقطة التى تأكد عندها أن هذا المجال ليس مجاله، ولا يستطيع أن يبدع أو يتميز فيه. انجذب «محمد»، 24 عاماً، إلى عالم الفوتوشوب الذى هواه منذ دراسته الثانوية، واشترى جهاز كمبيوتر خصيصاً له، تعلّم الجرافيك، وصار يبحث عن مراكز ودورات تنمّى قدراته فيه، عمل فى عدة أماكن ليكتسب خبرات مختلفة، حتى أصبح متمكناً منه وبات يدرّس الفوتوشوب والجرافيك ومجال الدعاية فى بعض المراكز. فرصة للسفر للسعودية أتيحت لمحمد، ابتعد فيها عن حياته وأصدقائه وصار الشغل همه الوحيد، فكّر بعدها فى أن ينتقل لمجال جديد يحبه أيضاً وهو عالم الكارتون والأنيميشن، وعالم صناعة الأفلام والرسوم المتحركة. وعلى الرغم من عمله لأكثر من 9 ساعات فى اليوم فإنه كان يقضى أوقات راحته فى تعلم هذا المجال الذى استهواه. الصدفة وحدها لعبت دوراً فى أن يستكشف محمد أمراً جديداً يجذبه ويركز فيه ليتميز به، فبعد أن لمح «شخصاً» على ملابسه المبعثرة قرر أن يرسم مستخدماً ملابسه، أنزل محمد باقى ملابسه من الدولاب، وطوال 3 ساعات من المحاولات، نجح فى أن يرسم وجهاً يقارب ملامحه. صوّر محمد رسمه، إلا أنه تردد فى نشره على موقع «فيس بوك»، معتقداً أن من سيرى هذه الرسمة لن يفهمها وسيعتقد أنها مجرد «هبل»، إلا أنه أخيراً نشرها وحازت على إعجاب كثيرين للدرجة التى جعلت فنانين فى الرسم يبدون له إعجابهم بها وبمجهوده فيها وبالفكرة ذاتها، طالبين منه أن يرسم غيرها ويستمر على هذا النهج. «كل صورة مختلفة عن التانية، وبتحتاج هدوم بألوان ومقاسات وأحجام مختلفة، على حسب الرسمة»، هكذا أوضح محمد، الذى يتميز عن غيره من الفنانين ممن يختارون ألواناً خشبية أو زيتية أو فحماً وغيرها، إلا أنه يختار لرسمته ألوان ملابس تليق بها، وغالباً ما تأتيه فكرة رسمة جديدة فجأة دون أن يرتب لها، كما أخبرنا. وعلى الرغم من تميز فن الرسم بالملابس، وندرة من يبدع فيه، والموهبة التى بدت واضحة على محمد من خلال رسوماته الثلاثة التى رسمها خلال شهر واحد، فإن أهله رغم إعجابهم به، يجدونه يضيع وقتاً فى أمر لا فائدة له، أما أكثر ما يحزن محمد ومَن يُعجب بأعماله فهو عدم قدرته على الاحتفاظ بهذه اللوحات الفنية التى يرسمها بملابسه بدقة متناهية وبتفاصيل واضحة للغاية، فبعد أن يجلس لساعات لرسم صورة مماثلة بالملابس وبعد تصويرها يقوم محمد ب«نعكشتها»، ليفكر فى رسم جديد.