فى ندوة عن «سينما أكتوبر» جمعتنى صدفة رائعة بعدد من أبطال حرب أكتوبر المجيدة من سلاح الطيران والمهندسين والصاعقة تلك الملحمة التى لا تزال معظم أسرارها حبيسة صدور مقالتيها العظام. فالحرب ما زالت حية فى ذاكرتهم، والبطولات الخارقة التى حققوها، وحققها زملاؤهم، الشهداء والأحياء، ما زالت محفورة فى وجدانهم لا تجد من يستمع إليها، أو يوثقها، شهادة لأجيال قادمة، وهى مسئولية تقع على عاتق الجميع بلا استثناء، ولا عذر الآن.. بعد أن رحل بطل الحرب والسلام، وصاحب الضربة الجوية اللذان كانا يشكلان، كل بطريقته، عقبة حقيقية فى طريق ظهور أى عمل درامى عن هذه الحرب الأسطورية.. لكن مسئولينا ما زالوا يغضون الطرف ويتحاشون التعامل معها فنياً مكتفين بنفاق الأغنيات «أول طلعة جوية.. جابت النصر هدية»!! لإرضاء سادتهم القابعين على الكراسى.. بينما يلهث مقاتل بحجم اللواء نبيل أبوالنجا، مطارداً فى إصرار ودأب للعديد من جهات الإنتاج لتقديم عمل درامى حاول فيه أن يظهر قدرة وكفاء، بل ودون مبالغة، عبقرية المقاتل المصرى وقدرته على الابتكار أثناء اندلاع المعارك.. وبلغ به إنكار الذات إعلانه عدم رغبته فى ألا تنسب إلى اسمه -درامياً- الأحداث التى سطرها فى كتابه «رحلة إلى جهنم» الذى حوله بنفسه إلى سيناريو سينمائى بات قابلاً للتنفيذ، خاصة أنه حصل على جميع الموافقات المتعلقة بموضوع الفيلم، سواء من المخابرات الحربية أو الأمن القومى والرقابة على المصنفات، ولم يتبق سوى أن يتقدم منتج مصرى وطنى. آلاف البطولات تنتظر ذلك المنتج الفارس، ولن يكلفه الفيلم كثيراً فتكاليف إنتاج هذه «الرحلة إلى جهنم» لن تتعدى ميزانية فيلم متوسط، فسيحتاج فقط إلى بضعة أفراد وعدد من الجمال، والباقى جرافيك، لتنفيذ المهمة التى قام بها نبيل أبوالنجا ومعه 3 أفراد من الهجانة وبدوى من قبائل الطرابيل من المخابرات الحربية، ومحاولاته الفاشلة لعبور القناة مرتين بالهليكوبتر ومرة بالقوارب ورابعة بالعربات البرمائية، وخامسة بالطيران الشراعى ثم قافلة الجمال الانتحارية بغرض الوصول إلى مضيق رأس سدر فى عمق العدو لمسافة «ثمانين» كيلومتراً!! وتصور الرحلة ما تعرضت له المجموعة من مقاومة شرسة وعنيدة من العدو الإسرائيلى، أفشلت المحاولات الخمس إلى أن نجح النقيب نبيل فى المحاولة السادسة أن يصل بالمتبقى من الرجال والجمال المحملة بالمؤن من ماء وعصائر ومعلبات إلى المقاتلين الذين ألقت بهم الطائرات فى عمق سيناء فى الساعات الأولى.. «رحلة» تحكى عن قراع العقول، فى لحظة قد تذهب العقل، فالحدث يتربص أفرادها فى كل ثانية العدو أمامكم.. والقناة وراءكم.. والأمل يحدوكم.. والله معكم.. «رحلة إلى جهنم» عمل درامى وطنى بامتياز.. عن بطولة أقرب إلى الخيال.. قام بها بعض الرجال.. تستحق أن يشاهدها الأجيال.