"الصحافة ليست مهنتي.. المهنة، التي ينجح فيها المدلسون فقط، ليست مهنتي، أنا لا طاقة لي أن أنتشر مثل مريديها كأوجاع الوطن، وليس لي طاقة أن أضر بقوت (الغارمين) إذا تعاظم شأني فيها، طاقتي سأجعلها نافذة للحب، حب الناس والحياة والكلمة، سأدخرها لأحظى بحياة الفرسان، وميتة النبلاء".. حديث خيالي حالم، وكم حلمت بتلك الشجاعة في حديثي عن مهنتي، كما حلمت أن أبتعد عنها، لكنى عند اتخاذ القرار العظيم جبنت، على رأي "نزار". المهنة التي أحيا فيها بالاقتباس ليست مهنتي، كنت أحلم، حياتي كلها، أن أكون مؤثرا في جيل أو أكثر، "لا أحب" أن أقتات من مهنة أضع فيها قدمي على أوجاع الناس لأخفيها لا لأعالجها، كما فعل بعض رجالاتها.. تذكرت زميلا من أهل مهنتنا، عاش على الاستعارات حياته بطولها، ينسخ من صفحة ساخرة "الإفيهات"، وينسبها لنفسه ليظهر كأنما هو صاحب فكاهة حاضرة، وذهن ألمعي، وهو لا يعلم أن الارتقاء بالقلم وللقلم أعذب فضلا، وأعظم مآلا. أنا أحب قلمي، ومعشوقتي، وكبريائي، أحب تلك الأشياء لأنها مني، ولأنني مؤمن أن الحب هو استثنائنا الوحيد في حياتنا الأولى، هو طريقنا إلى جحيمنا الداخلي، أو جنة عرضها السماوات والأرض، قرأت كثيرا عن هذا الحب الذي أمنحه أشيائي، قرأت أنه يمثل جنتي التي لا تفنى، وناري التي لا تهدأ، وعلمت أنه عذابات العشاق وصفوتهم، وأنه يظهر فجا في عيون العاشقين كلما سمعوا أشعار "نزار"، وأنغام "كاظم". كنت أحيا بحب قديم، حتى جاءت "عزة"، خطيبتي، التي أرهقتني كثيرا بحقوق لا ذنب لها فيها، لكنها أهدتني في المقابل ابتسامة حب صادقة.. "أصبحت" أسمع منها آهة وجع حقيقية إذا توجعت أنا، و"أمسيت" أستشعر روحها التي تبادرني دائما ب"هدهدة" حانية، كلما تذمرت من الصحافة والحياة.. أهدتني، الغالية، جملة من المواقف والسلوكيات، أحسب أني تشربت منها الرقة والرقي والإنسانية، التي خسرت جزءا عظيما منها في رحلة صحفية شاقة. لن أقول فيها شعرا لأنها أسمى من الشعر، ولن أتقمص من أجلها شخصية "زاب ثروت" مثلا لأعبر عن عشق رخيص المعاني، لكني سأهديها قلبي كاملا بلا ذكريات، مغسولا من خطايا سابقة، إن غفرت هي، سأهديها نفسي المثقلة بالهموم، لتربيها من جديد على دنيا مليئة بالسعادة والأمل، أرجو أن أحيا معها وبها دينا جديدا من العشق، لا نعرف فيه إلا أننا تقابلنا صدفة، وسنموت في عقيدته، عمدا، متشابكي الأيدي.