فى شارع ضيق فى حى حدائق المعادى يوجد مقر رابطة اللاجئين الأوروميين المقبلين من إثيوبيا. المقر صغير، لا يزيد حجمه على شقتين فوق بعضهما فى منزل متهالك. على عدد من المقاعد الخشبية المتراصة فى صالة الاستقبال يجلس عدد من الأشخاص. بشراتهم سمراء. أجسادهم نحيفة. عيونهم شاخصة فى اتجاه سلم خشبى يصل بين الطابقين، ويؤدى إلى مكتب رئيس الرابطة «عبدالله جمال». يجلس «عبدالله» على مكتب يعلوه علم أوروموا، وإلى جواره «عبدالقادر جومى» الناشط الذى يترجم كلامه من «الأورومية» إلى «العربية». تحدث «عبدالله» عن تاريخ «أوروموا» قائلاً: «قبيلة أوروموا 20 مليون شخص، أغلبهم مسلمون، تعرضوا للظلم والتهميش فى السبعينات فانبثقت عنهم حركة تحرير أوروموا، التى حاربت من أجل الاستقلال، وفى التسعينات قاتلت الحركة إلى جانب رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوى للسيطرة على الحكم، وبعد وصوله إلى الحكم تمردت عليه، لكنها أوقفت أعمالها القتالية منذ 2002». اللاجئون الأوروميون فى مصر ليست لهم علاقة بحركة التحرير حسب «عبدالله». أصبحوا ضحايا الصراع بين الحكومة والحركة، لذا هربوا من إثيوبيا خوفاً على حياتهم ولجأ الكثير منهم إلى مصر: «هنا يعيش أوروميون إثيوبيون بلا مأوى، يهربون من إثيوبيا نتيجة صعوبات ومخاطر يتعرضون لها بسبب انتمائهم»، أبرزها اللغة. كثير منهم لا يعرفون العربية ويواجهون صعوبة فى الحصول على فرصة عمل، والاضطرابات التى تشهدها الدول العربية مثل ليبيا واليمن وسوريا ضاعفت من أعدادهم فى مصر، حيث بلغوا نحو 2000. «عبدالله»، كان يعمل مدرساً فى إثيوبيا، وكان يعلم التلاميذ تاريخ قبيلته، لكن الشرطة ضبطته 3 مرات بسبب تعليمه التاريخ الأورومى للأطفال، وحكم عليه بالسجن 3 سنوات و8 أشهر، فاضطر إلى الهرب إلى مصر فى 2011. فى غرفة مجاورة يستلقى ثلاثة أطفال على الأرض، تحوطهم خرقة بالية تحميهم من برودة البلاط. فى غرفة أخرى تجلس سبع فتيات ترتعد أطرافهن من الصقيع، تقول إحداهن وتدعى «أنبو نتو» 16 عاماً: «أنا جيت مصر من سنة بعد ما اتقتل أخويا وأبويا، وأمى اختفت، فقلت أهرب بجلدى». وتقول «قشبة» 18 عاماً: «عانيت كثيراً فى طريقى إلى القاهرة. تعرضت للتحرش والاعتداء، وأحياناً كنت أضطر إلى المبيت فى الشارع وتحت الكبارى، وأكلت من صناديق القمامة، إلى أن تواصلت مع أحد الأوروميين، فأوصلنى إلى مقر الرابطة». بدموع أغرقت وجهها حكت «حسنية» 31 عاماً، أنها رحلت بعد أن قتل إخوتها الأربعة أمام عينيها، واختفى زوجها وابنها الصغير بحثاً عن حياة كريمة. وقالت «جنتى» 18 عاماً، إنها جاءت إلى مصر بعد أن حبست الحكومة أخاها ووالدها، واضطرت للهرب هى ووالدتها، لكن والدتها ماتت فى الطريق: «طول اليوم قاعدين هنا، وفى ساعة الغدا بنوزع نفسنا عند ناس من قوميتنا، ونرجع تانى على الرابطة. وبالليل بنفرش بطانية على الأرض وننام ونغطى نفسنا ببطانية تانية». ويقول «دورسا خان» 25 عاماً، إنه هرب إلى مصر بعد أن حبسته الحكومة الإثيوبية بتهم ملفقة وصادرت تجارته. وعندما أتى إلى مصر منذ عامين لم يجد ما يعمل به سوى جمع القمامة من البيوت، إلى أن ترك هذه المهنة وجاء إلى الرابطة التى تحاول أن توفر له عملاً.