تحت ضغط الظروف، ومن وحى اللحظة، اتخذ الرئيس «جمال عبدالناصر» قراراً بتعيين «أنور السادات» نائباً له فى إحدى ليالى شهر ديسمبر 1969، أى قبل وفاته بتسعة أشهر. كان «عبدالناصر» ينوى السفر إلى المغرب، لحضور مؤتمر القمة الإسلامى، وكان يخشى من اغتياله، بالإضافة إلى إصابته بأزمة قلبية، قبل هذا القرار بثلاثة شهور، لذلك بادر إلى تعيين «السادات» نائباً له، ليمثل كما يزعم البعض مرحلة انتقالية، حتى يتم تنظيم أمور الدولة! ويشير بعض المعاصرين لهذه التجربة إلى أن عبدالناصر كان ينوى عزل «السادات» من هذا المنصب، لكنه نسى ذلك فى غمرة مشاغله حتى وافته المنية ليتولى السادات الحكم من بعده! وبعيداً عن الروايات التى يحاول البعض تلفيقها فى هذا الاتجاه، يبدو الخضوع لظروف اللحظة واضحاً فى الطريقة التى صنع بها عبدالناصر قراره. والطريقة التى سارع بها رجاله للالتفاف حول «أنور السادات» رغم عدم قناعتهم به. فهذا النمط من الأداء يدل على أن الكل كان يخضع ل«سيناريو اللحظة» دون أن يكون لديه خطط مسبقة، رغم المعلومات التى توافرت لديهم بصورة مبكرة عن مرض عبدالناصر، واحتمالات وفاته أو اغتياله، لكن التحرك من وحى اللحظة كان سيد الموقف. وعندما تولى السادات رئاسة الجمهورية، كان يعلم أن من حوله يرون أنه ارتدى «بدلة» واسعة جدا عليه، ومع ذلك فقد سعى إلى التعامل معهم، ولم يحاول الإطاحة بهم، إلا فى تلك اللحظة التى أدرك فيها أن رجال عبدالناصر يتآمرون عليه، فما كان منه إلا أن ألقى القبض على رئيس مجلس الأمة، ووزير الدفاع، وعدد من الوزراء والمسئولين بالاتحاد الاشتراكى، وتمت محاكمتهم، ليخلو الملعب تماماً أمام الرئيس السادات، ليقيم ما أطلق عليه «دولة العلم والإيمان». ومن وحى اللحظة أيضاً بادر الرئيس السادات إلى إخراج المعتقلين من أعضاء جماعة «الإخوان» من السجون ليكونوا أداته فى الصراع مع اليساريين والقوميين والناصريين، فاتسعت مساحة العمل أمام أعضاء الجماعة وقياداتها، وبدأوا رحلة التموضع على الساحة السياسية المصرية، ومن رحمهم بدأت تخرج العديد من التنظيمات الإسلامية الأخرى، كالسلفيين والجهاديين وغيرهم، وبدأت المخالب المختبئة تخرج لمواجهة «السادات». ومن وحى لحظة غضب، اتخذ السادات قرارات سبتمبر الشهيرة، وبضغط الظروف اتخذ الجهاديون قراراً باغتيال الرئيس السادات، فأعدوا العدة، واندسوا سالمين آمنين بين جنود العرض العسكرى، مستغلين ثغرات واقع يتحرك بوحى اللحظة، ليغتالوا السادات الذى رفض يومها (6 أكتوبر 1981) أن يرتدى القميص الواقى -من وحى اللحظة أيضاً- وتساءل: كيف أخاف وأنا ذاهب إلى العرض لأكون «بين أولادى»؟!