"أي ى ى" ... جودزيلا دهست قدمك فتنظر خلفك وتجدها امرأة مسنة، تؤثر التهام ألمك في صمت.. "معلش والنبي يا ابني ما اقصد"، بصوت مبحوح من الوجع ترد "ولا يهمك يا حاجة"، يوم أخر معتاد يعبرك أو تعبره بتلك السرعة الضوئية المنهكة ,أنت مرهق خلايا مخك تئن وقد أنذرتك أن وقت الshat down قد حان, تنزل من المترو مزهق الأنفاس من الحر والعرق والزحمة.. الناس تتقاذفك بينهم هذا يخبطك بكتفه وهذا يشوطك بذراعه، تمر بينهم غير مكترث, وعلى أول كرسي تهبط كنيزك، الجاذبية تجعل جفونك تهبط لأسفل، جسدك بأكمله مرتخيا كعروس ماريونت تمزقت خيوطها، تبدو كفاقد الوعي لمن يراك. تحدق عينيك في عشرات الأزواج من الأحذية في عرض مستمر -رايح جاى- أمامك ما بين صنادل و وأحذية كلاسيكية وشباشب هناك الكوتشي وال boots ومن بين الفتحات ترى أظافر مطلية حينا وأصابع قذرة حينا أخر، السيقان متوارية بغنج في الجينز، أو ملتحفة بتنانير طويلة.. تناديك السمانة "المربربة" من تحت التنانير القصيرة تتهادى أمامك في دلال، لتصطدم ب ذيل عباءة سوداء أو إسدال يكنس أرض المحطة، أحذية أنيقة لموظفي المكاتب "بتوع البدل" ويبدون "مززا" وصيدا للباحثات عن عريس. عادة ما تكون خلفيتك عن الأشخاص من أحذيتهم، فلتفكر إذا وتتسلى حتى تستفيق من حالة البله الطارئة هذه وتلعب هذه اللعبة وتحاول رسم تفاصيل العابرين أمامك من أحذيتهم، فكل زوج من هذه الأحذية إنما يحمل فوقه حياة فيها إحباطات ولها أحلام، إنها حيوات تتحرك أمامك في شباك قدرها.. تنتبه أوليس أصحاب هذه الحيوات يعيشون مثلك يفكرون ويحلمون يريدون ويأملون ويستيقظون على أمل يتجدد في كل يوم بأن الحياة ستصبح أفضل.. تدرك في جذع - وأنت في حالة الوهن تلك- أنك لست وحدك في هذا العالم، وأنك لست عظيما إلى الحد الذي تتخيله، وكل هذا المجد الذي تسعى إليه والشهرة التي تحلم بها إنما لك فيها منافسون ينتظرون أن يفوت الأحمق الدور ليأخذوا مكانه.. وقع الأفكار السوداء يحملك على القيام من مكانك، لكن جسدك يزن أطنانا لا تملك إرادة تحريكه "تزحزحي أيتها الجثة" لكن ما من فائدة.. وفجأة تكتشف أنك وسط كل هؤلاء البشر وحيد، وحيد إلى درجة البكاء إلى درجة الصراخ بأعلى صوت "أنا وحيييييييييييييييييد".. ترمق المشهد أمامك في شرود وتتساءل كيف يشعر السكران ؟، لم تجرب المكيفات من قبل حتى أنك لا تحب الشاي والقهوة.. مترو وراء مترو وراء مترو، وجوه ووجوه، الكثير من الوجوه والملامح حاجبان عينان أنف شفاه تتكون منها ملايين الملامح.. مرة أخرى تتجه بعينيك للأسفل، تتذكر اللعبة التي نسيتها وسط تأملاتك الفلسفية، تبدأ اللعب آه هاهما زوجان من الأحذية واحد رجالي والأخر بناتي يسيران متقاربين على مهل وكأنما يناشدان الزمن ألا يمر "اممم......... حبيبان".. أربع أزواج بناتي تسير أمامك بسرعة ومرح طالبات على الأرجح، تبتسم بائسا إنهن مفعمات بالأحلام تفهم ذلك من قوة وثقة الخطوة الشابة.. زوج رجالي له بوز يسير متثاقلا يبدو حزينا أو ربما مرهقا مثلك, زوج رجالي أخر يبدو متلهفا على ميعاد يلحق به أو ربما هاربا من وجه لا يريد أن يراه.. فجأة يظهر أمامك وكأنما برز من العدم حذاء يطابق حذاءك تماما نفس الجلد المهترء عند البوز، وقطع في الفردة اليمنى أسعفته يد الإسكافي بخيط مخالف للون الحذاء فبرز كالفضيحة لكنه -القطع- في هذا الحذاء على اليسار.. فرحة عارمة تُغصّ بها وتسعل حتى تتمزق أنفاسك، رغبة ملحة في أن ترفع عيناك لترى صاحب الحذاء عله يشبهك كما يشبه حذاؤه حذاءك، لكنك لا تقوى على ذلك، وتجد نفسك تُحدث الحذاء نيابة عن صاحبه "كم أنا سعيد برؤية أيها الشبيه المجهول".. يرد الحذاء في "ألاطة" لا تليق به، "وهل شرطا أن من يشبهك يسعدك، أو يكون الأقرب إليك؟".. تنظر في غباء فيتابع: "نعم فنحن نهرب من أنفسنا أحيانا، والأشباه قد يقودونك إلى الملل".. ترد: "ولكنهم يحبون ما أحب ويكرهون ما أكره و.." يقاطعك " وكأنك ترى نفسك في المرآة لا أكثر ستصيبك التخمة وسترغب في البحث عن المختلف الذي يكملك".. "الذي يكملني؟" تسأله بينما أنت تسأل نفسك في الحقيقة.. "نعم نحن نبحث عما يكملنا وليس ما يشبهنا تخيل لو أن قطع البازل كلها متشابهة هل ستستطيع تكوين الصورة بالطبع لا".. تضحك من أمر هذا الحذاء المتفلسف، تهز رأسك بعنف لتطفو فوق هذيانك، يختفى الحذاء وصاحبه من أمامك، ضوء مبهر يغمى عينيك، "هاهههههههههههههه" الحذاء الفيلسوف لم يكن سوى إنعكاس في مرآة يحملها شابين أمامك واختفى لما تحركا من أمامك.. تستمر في الضحك ببلاهة على حالك، تنظر للجالس بجانبك وتتساءل هل هذا رجل أم امرأة بشارب.. تطلب منه بصوت ضاحك يمضغه التعب" لو سمحت ممكن قلم؟، يخرج لك الرجل/ المرأة ذات الشارب قلما من حقيبته.. النسائية، فتقول له : " على وشي".. تنظر إليك ومن بين أسنانها،"جاتكم القرف إحنا ناقصين بلاوي"، تغادر المرأة مكانها وتتركك وراءها.. ابتسامتك البلهاء ما زالت على وجهك ثم تتذكر أن تغضب "أهكذا تتحدثين إلى أيتها القردة أنا العظيم الرائع الذي لا يوجد منى خمسة ألاف أنا الذي يحمل عصا موسى التي ستلتهم كل ما تفعلون ولن يبقى سوى ما أفعله أنا".. تغفو قليلا ثم تستيقظ على سؤال يعيدك إلى تأملاتك مرة أخرى:" ما الدافع الذي يحرك كل هؤلاء البشر ويوقظهم ويدفعهم للعدو والصراخ في التليفون أو الضحك أو أوالبكاء أو.....؟".. "هااااااااااوم" تتثاءب كفرس نهر، تستعيد بعضا من توازنك، النشاط يعود ليدب في عروقك محفزا عضلاتك على التحرك والنهوض وركوب.. المترو.