"القلب يعشق كل جميل وياما شفت جمال يا عين" كلمات تراقص صوت أم كلثوم على أنغامها لكنها لم تكن تعلم أنها "هي" الجميل الذي يعشقه كل قلب يراه، من هو الرجل الذي يستطيع أن يقاوم امرأة تمتلك الرقة والجمال والقوة والرشاقة والهدوء والخجل والإصرار في صوتها فقط، فما بالك بشخصيتها، من يستطيع أن يقاوم سيدة يستطيع صوتها فقط أن ينقلك إلى الجنة ويستطيع أن يخلق في قلبك شعور الحب طوال مدة الأغنية التي "تتسلطن" حين تلقيها، أم كلثوم السيدة الصلبة الناعمة الهادئة القوية الجريئة والخجولة، هذه هي المرأة التي تستطيع أن تأسر قلوب الرجال وهي جالسة على كرسيها بكل هدوء وثقة غير مكترثة بمن تحترق قلوبهم في حبها، هذه هي "الست". أحبَّ أحمد رامي أم كلثوم حباً تخطى كل مقاييس العشق والهيام حتى وصل إلى مرحلة العبادة والتقديس، لدرجة أنها "حيَّرت قلبه معها"، كما كتب لها "يا ظالمني" متضرعًا لينال حبها، وبالرغم من كل هذا الحب لكن أم كلثوم كانت تقول أنها تحب فيه الشاعر وليس الرجل، وبالرغم من اعتراف أم كلثوم بذلك إلا أن رامي ظل متيماً بها حتى فارق الحياة، واعترف أحمد رامي بقصة حبه لها من خلال حوار صحفي مطول أجراه معه محمد تبارك وقال رامي في هذه المقابلة نصاً: "أحببت أم كلثوم حد التقديس ولم أندم لعدم زواجي منها، والآن أعاني من اكتئاب بعدما فارقت الدنيا فقد بكيت كثيرا في طفولتي وشبابي، والأن أبكي أكثر بعد رحيلها". وكان من المتوقع أن يقع كل من اقترب من "الست" في هواها، لم يكن أحمد رامي هو الضحية الأولى لكوكب الشرق، ولكنها أصابت قلب "محمد القصبجي" أيضاً فظل هو الآخر يحبها طوال فترة عمله معها ورضا أن يصبح واحداً من فرقتها وأن يجلس على كرسيه الخشبي وراء "الست" وكأنه ظلها ليحدث من خلال كرسيه الخشبي البسيط نقلة نوعية في تاريخ الموسيقى العربية، كما استطاعت مشاعر حبه أن تطغى على أعماله الفنية وأن يحكي كل لحن فيها عن مدى ولعه بحب "أم كلثوم". ولكن كانت "الست" أصلب من أن يوقعها رجل في غرامه مهما كانت أهميته ودرجة حبه لها، كانت كوكب الشرق تقف بعيداً عن كل من أحبوها بالرغم من علمها بمدى عشق كل منهما لها وكانت تغني كلمات "رامي" وتدندن ألحان "القصبجي" وهي تعلم بكل رسالة تحملها كلمات رامي وألحان القصبجي، ولكن لم يستطع أحد منهم أن يتسلل إلى قلب أم كلثوم الذي كان يشبه القلعة التي تصعب هزيمتها. ولكن كما قالت أم كلثوم "وهاتلي قلب لا داب ولا حب ولا انجرح ولا شاف حرمان"، "داب" قلب أم كلثوم عندما قابلت زوجها الأول محمود الشريف وكانت أم كلثوم نقيبة للموسيقيين ومحمود الشريف وكيلاً للنقابة، وكانت بينهما قصة حب وتفاهم رغم أن محمود الشريف كان متزوجاً من أخرى، ولكن هذا الزواج لم يستمر طويلاً بعدما فوجئت أم كلثوم بمفهوم محمود الشريف عن الزواج وهو عبارة عن تربية الأطفال والجلوس في المنزل، وحين عارض محمود الشريف تألق كوكب الشرق في سماء الفن، ردت عليه ب"واخترت أبعد، وعرفت أعند، حتى الهجر قدرت عليه، شوف القسوة بتعمل إيه"، وأمضت حياتها بعده دون أن تكترث لوجوده. دق قلب أم كلثوم للمرة الثانية، لزوجها الأخير الدكتور حسن الحفناوي وهو أحد أطبائها الذين تولوا علاجها واستمر زواجها حتى وفاتها، وكان الدكتور حسن هو من طيَّب جراحها من "الجرح القديم"، وتوفيت أم كلثوم وهي باقية على عهد الهوى.