البرلمان ليس فقط المنبر الذى تنطلق منه محاربة الفساد ومقاومته كدور منصوص عليه فى دستور البلاد، بل أرى أن الصحافة تحتل الترتيب الأول فى كشف الفساد ومقاومة الاستبداد، والبرلمان سهلٌ فيه وأد الدور الرقابى وقتل الاستجوابات بالانتقال إلى جدول الأعمال، وتجديد الثقة فى الحكومة، لكن تبقى الصحافة هى المورد الأول لما يثار فى البرلمان، كما تظل هى بمثابة الرقابة على البرلمان، فمعظم القضايا التى ناقشها البرلمان كانت مادة صحفية ينطلق منها النائب باحثاً عن مستندات ووثائق ما نُشر حتى تكون أدلة اتهامه قوية، بل كثيراً ما كانت تفتتح جلسات البرلمان ببيانات عاجلة عما نشرته صحيفة ما حول جريمة ما أو قضية فساد أو إهمال، ووصلت غيرة نواب البرلمان من الصحفيين وتأثيرهم إلى حد أنهم تعدوا على صحفيين بالضرب، والسباب نظراً لما يفجرونه من قضايا على صفحات الصحف، ومكانة وتأثير الصحافة إيجاباً أو سلباً. وهناك علاقة قوية بين دور البرلمانى ودور الصحفى، على سبيل المثال، فإن التحقيق الصحفى القوى هو بمثابة استجواب ضد الحكومة، أيضاً تقوى الصحافة وتتدفق الدماء إليها بمجرد عمل البرلمان، وكلما كان البرلمان قوياً كانت الصحافة قوية بما يثيره نواب البرلمان من موضوعات وقضايا تجدها فى اليوم التالى تحتل الصفحات الأولى والمتخصصة، ويذكر الجميع أن فى فترة ما قفز الكاتب والصحفى البرلمانى الرائع محمود معوض بتوزيع الأهرام بسبب صفحتى «أحزاب ونواب»، مما جعل جهابذة الحزب الوطنى ووزراءه يعدون مؤامرة الإطاحة به من موقعه. إن منبرى الصحافة والبرلمان هما الأخطر تأثيراً لو عملا بدون سيف الرقيب التابع للسلطة، والرقيب فى الصحافة يكون مكلفاً بمنع ما يمس من قريب أو بعيد الحاكم أو كهنته، وسلاحه المعروف فى عالم الصحافة هو ما يعرف بمقص الرقيب.. ودائماً مقصه يكون جاهزاً لآراء الكتاب الذين عرف عنهم صدق الكلمة احتراماً لرسالة الصحافة والقارئ، أما الرقيب فى البرلمان فهو مجموعة من بلطجية الحزب الوطنى يمارسون بطشهم والتعدى على المعارضين بمجرد تلقى الأمر من كبيرهم فى الأغلبية، وللأسف فإن معظم رموز المعارضة للأنظمة يكونون هدفاً لأدوات النظام من بلطجية وحملة مباخر وسفهاء، وفى المقابل تسهل لهم الأنظمة كل شىء كعربون بلطجة وتشويه المعارضين، وفى النهاية تظل الصحافة وأبناؤها، خاصة ما عُرف عنهم من نزاهة الكلمة، هدفاً لكل أنظمة الاستبداد رغم أن العالم يعرف قيمة الصحافة وما تقدمه للمجتمع، وللأسف الصحافة العالمية إذا نشرت موضوعاً عن حكام دول العالم الثالث أو عالمنا العربى يهتز الحاكم وتبدأ الاتصالات وتعقد الاجتماعات للرد، لأنهم يعرفون طبعاً أن قصاصة صحفية فى «الواشنطن بوست» أطاحت برتشارد نيكسون عندما فجرت قضية ووترجيت، وكشفت الصحيفة علاقته بقضية تجسس حزبه الجمهورى على الحزب الديمقراطى. هذه القصاصة ومضمونها اتهام نيكسون أجبر الكونجرس على إجراءات الإطاحة بنيكسون، لكنه سارع واستقال فى أغسطس 1974 ورغم استقالته لم يعفِه من عقاب آخر سوى قيام خلفه الرئيس فورد بالعفو عنه فى سبتمبر من العام نفسه. نعم، أطيح برئيس أكبر دولة بقصاصة صحفية، لكن فى مصر أطيح بصحفيين خلف القضبان.