«التحرير» تشارك 100 صحفى من جميع أنحاء العالم فى لقاء بطل فضيحة «ووتر جيت» التى أطاحت بالرئيس نيكسون فى اليوم الأول للفاعليات الرسمية لبرنامج «إدوارد مورو» للصحفيين برعاية الخارجية الأمريكية وتنظيم العديد من منظمات المجتمع المدنى الأمريكى، والذى تعد «التحرير» الصحيفة المصرية الوحيدة المشاركة فيه هذا العام، جاءت البداية مثيرة للغاية عبر محاضرة ثرية للصحفى الأمريكى الاستثنائى «بوب وودورد» الذى تسبب عام 1973 وعمره لم يتجاوز التاسعة والعشرين، فى الإطاحة بالرئيس الأمريكى نيكسون من منصبه بعدما كشف عما أصبح معروفا بعد ذلك بفضيحة «ووتر جيت» التى أثبت فيها أن نيكسون المنتمى للحزب الجمهورى تجسس على المقر الرئيسى للحزب الديمقراطى المنافس والموجود فى مبنى معروف باسم «ووتر جيت» فى العاصمة الأمريكيةواشنطن، وكان لذلك أثر بالغ فى معرفة الخطط الانتخابية للحزب المنافس، وساعدت عملية التجسس هذه على نجاح نيكسون لدورة ثانية فى الانتخابات الرئاسية. وودورد وهو يلقى محاضرته فى الفندق التاريخى «ماى فلاور رينساينس» بواشنطن دى سى، على نحو 100 صحفى من جميع أنحاء العالم، بدا نشطا حاضر الذهن، متحدثا لنحو ساعتين كاملتين واقفا على قدميه، رغم أنه فى السبعين من عمره الآن، أو «ديناصور عجوز» كما وصف هو نفسه، معلقا على الهوة التكنولوجية بينه وبين ابنته الصغرى التى تحدد أولوياتها فى قراءة مقالات الرأى المهمة فى الصحف الأمريكية عبر «تويتر»، بينما هو لا يزال محتفظا بروتينه اليومى فى قراءة صحف الصباح اليومية فى نسختها المطبوعة لأكثر من ساعة يوميا عقب استيقاظه من نومه مباشرة. الصحفى المخضرم تحدث أولا عن جانب ربما يكون غير معلن فى قضية «ووتر جيت»، وهو قيام نائب الرئيس الأمريكى آنذاك «جيرالد فورد» بعدما أصبح رئيسا للبلاد عقب تقدم نيكسون باستقالته على أثر فضيحة التجسس على الحزب المنافس له، بإصدار عفو رئاسى عن نيكسون، لإنقاذه من السجن بعدما بات واضحا تورطه فى القضية. يقول وودورد، إن فورد اختار الإعلان عن خبر العفو صبيحة أحد أيام الأحد عام 1974 فى الراديو، وهو يوم عادة لا يستيقظ فيه الأمريكيون مبكرا، لأنه عطلة الأسبوع، مشيرا بذلك إلى رغبة فورد فى أن لا يثير القرار رد فعل شعبى غاضب، ويتذكر وودورد أن أول رد فعل خرج منه عقب معرفته بقرار العفو هذا، هو أن صرخ قائلا «هذا هو الفساد بعينه»، مستدركا «… وكان علىّ أن أنتظر 25 عاما لأعرف أن هذا القرار كان شجاعا وليس فاسدا». ويفسر وودورد ذلك قائلا بأنه فى عام 1999 بدأ فى الإعداد لكتاب جديد حول أثر «ووتر جيت» على الإدارة الأمريكية، ووجد نفسه ملزما بمقابلة «جيرالد فورد» باعتباره صار طرفا فى القضية بشكل أو بآخر، كان فورد حينها فى السابعة والثمانين من عمره، وفى لقائه الأخير معه سأله بوب وودورد السؤال الذى أرّقه لخمسة وعشرين عاما: «لماذا أصدرت عفوًا عن نيكسون؟»، حينها نظر له فورد قبل أن يرد: «أنت كصحفى تعرف أن هذه هى الفرصة التى تنتظرها منذ زمن. حسنا. أخيرا سأقول لك الحقيقة. لقد عفوت عن نيكسون ليس من أجله أو من أجلى وإنما من أجل أمريكا»، مفسرا ذلك بأنه تلقى تقريرا من ممثلى النيابة يؤكد أن محاكمة نيكسون ستنتهى وفقا للقانون بسجنه بسبب قطعية الأدلة ضده، وكان هذا معناه أن تظل القضية تشغل الرأى العام لفترة ويكون لذلك تأثير بالغ على الاقتصاد الأمريكى الذى بدأ فى التعثر بالفعل بأثر الفضيحة، يقول: «فقط أردت أن أبعد (ووتر جيت) عن عناوين الصحف لثلاث سنوات، لأن البلد لم تكن تتحمل ذلك». ورغم أن بوب وودورد كان صاحب السبق فى القضية، فإنه وجد فى نفسه الشجاعة لأن يصف ذلك الفعل الذى قام به «فورد» بالشجاعة أيضا. وقبل أن يتم فتح باب الأسئلة من الصحفيين على وودورد، فضل الصحفى الأمريكى النافذ بعلاقاته فى الإدارة الأمريكية، أن يتحدث لدقائق عن وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كيلنتون، متوقعا لها أن تشارك فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأن السياسة فى دمها على حد قوله، متذكرا لها موقفا مشتركا جمعهما قبل سنوات عندما كانت سيناتور بمجلس الشيوخ، إذ التقته فى إحدى الندوات قائلة له بأنها استعانت بمقولة للرئيس بوش وقد وردت فى كتاب وودورد عن الحرب العراقية «خطة الهجوم»، فسأله ما قالت له تلك التى قالها عندما سألته «كيف سيحكم التاريخ على حرب العراق؟ فرد عليك قائلا: «لن نعرف.. سنكون موتى عندما يذكرنا التاريخ». وأضافت هيلارى أحب هذه الجملة، لأنها تعكس أن بوش يعمل ما يريده دون أن تهمه النتائج.. وأنا مثله. يوضح وودورد فى محاضرته، أنه أصيب باندهاش من ذلك، مشيرا إلى أنه قال لنفسه حينها «كيف تتحدث بهذه الطريقة وتريد أن تصبح رئيسا لأمريكا؟ توماس جيفرسون «ثالث الرؤساء الأمريكيين وأحد الآباء المؤسسين للبلاد والمؤلف الأساسى لإعلان استقلال أمريكا- لا يتحدث بهذه الطريقة، بل إن زوجها نفسه كلينتون لا يتحدث كذلك، يستدرك قائلا «لكن لم أملك سوى أن أقول لها.. نعم سنكون موتى عندما يحكم التاريخ». بعد ذلك انهالت الأسئلة على بوب وودورد من الصحفيين المشاركين من كل أنحاء العالم، ورد على سؤال كيف يقوم بتأسيس العلاقة بينه وبين المصادر الصحفية المهمة مثل الرؤساء والمسؤولين البارزين رد «لست جمهوريا أو ديمقراطيا، أسعى لأن أكون وسطيا، ولدى من الوقت لإنجاز عملى على النحو اللازم. عندما أردت مقابلة الرئيس جورج بوش لإنجاز كتابى «خطة الهجوم» أرسلت له مذكرة من 22 صفحة أشرح له فيها الأسباب وراء رغبتى فى لقائه، حينها قالى لى أحد الزملاء بواشنطن بوست «أنت مجنون.. إنه لم يقرأ مذكرة بمثل هذا الحجم حتى وهو فى الجامعة»، لكن فى اليوم التالى عندما التقيت كونداليزارايس مستشارته للأمن القومى للتشاور بخصوص المقابلة سألتنى «هل ستصدر الكتاب سواء قابلت بوش أو لم تقابله؟»، قلت لها «نعم»، ردت «حسنا ستقابله غدا»، يوضح بوب وودورد المغزى من ذلك قائلا «هذه هى النقطة، الناس ستقول لك أسرارها، لأنك تذهب لهم وستنشر ما يقولون، إذا أردت العمل فى تحقيق عن حدث له علاقة بمساعد وزير الدفاع وقع منذ 30 عاما لن أبحث عن جوجل، وإنما سأذهب إلى ذلك المسؤول وأقول له «لقد قلت فى صفحة 36 من المذكرة رقم 2 كذا وكذا، حينها سيجد نفسه مضطرا لأن يجيب، عليكم أن تأخذوا الأمور بجدية، هذا هو القصد.. ابحثوا عن الحقيقة وانشروها حتى لو عرضتكم للخطر، هذا هو دوركم». قائلا بأن أول عبارة يقولها هو وزملاؤه فى «واشنطن بوست» كل صباح (حسنا.. ماذا يخفى الأوغاد اليوم). ووصف وودورد مسألة الشرق الأوسط، بأنها مسألة تشبه فى تعقيدها مسألة «خلق الكون» رافضا الإجابة بحسم عن سبب تحيز بلاده لإسرائيل، قائلا بأن هذا جدل ونقاش دائمان، مستدركا بأن إسرائيل بلد حليف وديمقراطى، وهناك روابط تجمعه مع أمريكا منذ عقود، لكن نتنياهو أيضا يقول للمسؤولين فى أمريكا إن بلاده لا تتلق الدعم الكافى فى مواجهة الفلسطينيين، وردًّا على سؤال ل«التحرير» حول تقييمه لإدارة أوباما فى التعامل مع عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى عقب ثورة شعبية كبيرة فى الثلاثين من يونيو، رد باقتضاب: «الناس دومًا لها أهداف مختلفة، والموضوع فى مصر معقد، لكن التعامل معه تم بشكل متوازن نسبيا» معتذرا عن الاستمرار فى الإجابة، لأنه غير ملم بالكثير من التفاصيل عن الأمر. واعترف الصحفى المخضرم بأنه لم يعمل بالجهد المناسب فى تغطية أحداث العراق، خصوصا فى ما يتعلق بمسألة وجود أسلحة نووية هناك، باعتبار أن ذلك كان السبب المعلن لشن الحرب قائلا «كان يجب أن أتحقق بشكل أفضل مما فعلت، لم أقم بوظيفتى جيدا»، واختتم بوب وودورد لقاءه بعدة نصائح للصحفيين قائلا «الصحافة هى أفضل مهنة فى العالم. لا تترك أى شخص يمنعك من قول الحقيقة.. صناعتنا هى البحث عن الحقيقة.. صعب على المسؤولين حياتهم، الشك يحررنا دومًا خلال عملنا، ولا يجب دومًا الارتكاز على الحقائق، دائما اظهر وتحرك واطرح السؤال على مصدرك ستحصل على الإجابة»، كاشفا عن أنه لا يزال يحتفظ بأسماء مئات من المصادر طوال حياته الصحفية الممتدة لأربعين عاما، ولم يكشف عنها قط، مثلما ظل محتظفا باسم ضابط «FBI»، الذى ساعده فى الكشف عن فضيحة «ووتر جيت» لنحو ثلاثين عاما، متحدثا عن أنه لو كان التقى «سنودن» موظف الأمن القومى الذى سرب أسرار أمريكا ويعيش الآن لاجئا فى روسيا، لما كان كشف عن اسمه أبدا قائلا «سنودن» ليس مهمًّا. المهم هو المعلومات، معتبرا أن سنودن تعامل كرئيس تحرير لصحيفتى «واشنطن بوست» و«الجارديان» عندما سرب لهما المعلومات فى التوقيت الذى يريده قبل أن يختتم حديثه بتذكر لقائه مع مع كاترين جراهام مالكة واشنطن بوست عام 1973 قبل نشر «ووتر جيت»، حينها سألته «متى ستظهر الحقيقة الكاملة فى هذه القضية»، فرد قائلا «لن تظهر أبدا»، يقول «فنظرت لى نظرة ذات مغزى قبل أن تقف من جلستها قائلا: لا تقل لى أبدا»، حينها قام وودورد من مكانه وقرر استكمال العمل فى القضية للوصول إلى الحقيقة قبل أن تؤكد له جراهام أنها ستنشر القضية مهما كان الثمن، يختم وودورد قائلا «يومًا ما سنعلق تلك الجملة فى (واشنطن بوست) لتعبر عن القيادة الحقيقية.. لا تقل لى أبدا».