نشرت بعض وسائل الإعلام المصرية مقتطفات من شهادة مكتوبة للخبير الأمريكى دكتور بول جيروم سوليفان عن أزمة «سد النهضة الإثيوبى»، والتى أدلى بها سيادته أمام إحدى اللجان الفرعية للجنة الشئون الخارجية بالكونجرس الأمريكى، بتاريخ 18 نوفمبر 2014. والدكتور «سوليفان» أستاذ الاقتصاد بجامعة الدفاع الوطنى الأمريكية منذ عام 1999، وأستاذ الاقتصاد والطاقة والدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون الأمريكية منذ عام 2005، وكان قد قضى من عمره 6 أعوام فى مصر خلال الفترة 1993-1999، بالجامعة الأمريكية. وقضى سيادته عاماً فى السودان 2009-2010، وعمل بإيران والأردن والإمارات والهند وأوكرانيا وغيرها من الدول. وللدكتور «سوليفان» عشرات المقالات السياسية فى العديد من الصحف الدولية، وعلى معرفة شخصية بالعديد من القيادات السياسية فى منطقتنا ومناطق أخرى بالعالم. وكان قد حصل سيادته على الدكتوراه فى الاقتصاد عام 1986من جامعة ييل الأمريكية المرموقة. ومجالات خبرة دكتور «سوليفان» تتمثل فى اقتصاديات الطاقة والمياه، وعلاقاتهما بالأمن الإقليمى والدولى. ولأهمية وحنكة هذا الرجل وخبراته الميدانية فى المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، ولعلاقاته المباشرة بوزارة الدفاع الأمريكية، رأيت عرض وتحليل أهم ما جاء فى شهادته المكتوبة لعلنا نستشف الرؤية الأمريكية حول هذه القضية الحيوية لمصر. وتتكون هذه الشهادة من أربعة أجزاء رئيسية؛ الجزء الأول يتحدث فيه عن إثيوبيا كدولة فقيرة لا يزيد إنتاجها القومى السنوى على 50 مليار دولار، وأن 20% من سكانها فقط يتمتعون بخدمة الكهرباء، وأنها تتطلع إلى تحقيق طفرة فى إنتاج الكهرباء وفى تحقيق تنمية اقتصادية. وأن إثيوبيا تقوم ببناء عدد من السدود المبالغ فى حجمها وسعتها التخزينية «oversized» وباهظة التكاليف، والتى يتم توفير التمويل لها من خلال قروض داخلية وخارجية، وأن إثيوبيا سوف يصعب عليها تسديد فوائد وأقساط هذه القروض من مواردها المالية المحدودة. وأعطى دكتور سوليفان مثالاً على ذلك بسد النهضة الذى توقع أن تزيد تكلفته كثيراً على 5 مليارات دولار، وسلسلة سدود جيب الخمسة على نهر أومو المشترك مع كينيا، والتى سوف تتكلف أضعاف تكاليف سد النهضة. وأضاف سيادته أن إثيوبيا تقوم ببناء هذه السدود فى سرية، ودراساتها منقوصة، وأن هذه السدود ستكون لها آثار سلبية عديدة على دول المصب وكذلك على سكان إثيوبيا المحليين. وأوضح دكتور سوليفان أن إثيوبيا لا تحتاج مثل هذه السدود الضخمة، وأنّ السدود الصغيرة أكثر فائدة منها وأعلى كفاءة وأقل تأثيراً على دول المصب. وعلل سيادته ذلك بأن سكان إثيوبيا ينتشرون فى تجمعات صغيرة وقرى متفرقة وفى مساحات واسعة من البلاد، وأن توفير الكهرباء لهم يتطلب منشآت مائية صغيرة لتوليد كميات محدودة من الكهرباء. وأضاف أن إنشاء السدود الكبيرة لتزويد المدن الإثيوبية الكبرى بالكهرباء سوف يؤدى إلى هجرة أهل الريف إلى المدينة، وما لذلك من آثار سلبية على الاستقرار الاجتماعى والسياسى فى البلاد. وأضاف دكتور سوليفان أن إثيوبيا لديها العديد من مصادر أخرى للطاقة تصلح لتوليد كميات هائلة من الكهرباء، وبما يقلل بشكل كبير الحاجة لبناء مثل هذه السدود الضخمة المكلفة للدولة والمنهكة لاقتصادها والمسببة لمشاكل مع جيرانها. وأعطى سيادته مثالاً على ذلك بالطاقة الحرارية الأرضية المتوفرة فى أجزاء واسعة من إثيوبيا، والإمكانات الكبيرة للطاقة الشمسية، وطاقة الرياح. وذكر أن أحد أسباب إقبال الإدارة الإثيوبية على بناء هذه السدود هى الانتخابات المقبلة عام 2015، التى يعتمد فيها الحزب الحاكم على إنجازه فى رفع معدل النمو الاقتصادى فى البلاد خلال العام الماضى إلى 10%. وشرح سيادته أن أسباب هذا المعدل الكبير للنمو الاقتصادى تعود إلى توجيه معظم الإنفاق الداخلى إلى البنية الأساسية للبلاد بما فيها السدود، اعتماداً على المنح والقروض الخارجية وعلى إصدار سندات داخلية. ويرى دكتور سوليفان أن السدود الإثيوبية سوف تضاعف من الآثار السلبية للتغيرات المناخية على المنطقة، وسوف تؤدى إلى نقص فى الأمطار على الهضبة الإثيوبية وعلى كينيا والصومال وإريتريا. وقال إن هناك مبالغة كبيرة فى كمية الطاقة الممكن توليدها من سد النهضة وأنها ستكون أقل كثيراً من 6000 ميجاوات. وشكك سيادته فى التصريحات الإثيوبية بأنها لن تستخدم مياه السد فى الزراعة، والحجة الإثيوبية بأن الأراضى المحيطة بالسد لها طبيعة صخرية ولا تصلح للزراعة. وقال إنه يعتقد أن إثيوبيا ستقوم بنقل بعض المياه إلى مناطق تصلح للزراعة، وخاصة أن البلاد تتعرض لموجات جفاف متكررة ولا تستطيع الحكومة، من الناحية السياسية، عدم استخدام هذا المخزون المائى الضخم فى توفير احتياجات سكان البلاد وإنقاذهم من الهلاك. أمّا الجزء الثانى من الشهادة فقد اختص بدولتى مصر والسودان وأوضاعهما المائية وموقفهما من سد النهضة. فذكر سيادته أن النيل هو مصدر المياه الرئيسى لمصر، وأن مصر تعانى من ندرة المياه مع زيادة فى الكثافة السكانية مما يجعلها فى احتياج دائم ومُلح للمياه للتنمية الصناعية والزراعية المطلوبة للزيادة السكانية. وذكر سيادته أن هناك مجالاً لترشيد استخدامات المياه فى مصر وخاصة فى الصناعة والزراعة، ولكن مثل هذه البرامج تحتاج إلى فترات زمنية طويلة لتحقيق نتائجها المرجوة. وأوضح سيادته أن السودان بالرغم من صغر تعداد سكانه مقارنة بمصر فإنه يحتاج إلى مزيد من المياه للتنمية. وأن السودان يتوقع بعض الفوائد من سد النهضة من إمدادات كهربية، والحماية من الفيضانات، وتنظيم تصرفات النيل الأزرق. ويرى سيادته أن معظم أخطار سد النهضة ستكون أثناء سنوات ملئه بالمياه، وكلما قلت سنوات الملء زادت آثاره السلبية على مصر والسودان سواء على شكل نقص فى إيراد النهر أو نقص فى توليد الكهرباء من السدود المصرية والسودانية. ثم تطرق سيادته إلى الخلافات التاريخية بين إثيوبيا ومصر مركزاً على أحداث فترة الخمسينات وبناء السد العالى، وذكر أنّ إثيوبيا لا تعترف باتفاقيتى 1929 و1959 اللتين تنصان على حقوق مصر والسودان التاريخية فى مياه النيل، لأنها لم تكن طرفاً فيهما. ثم تطرق إلى اتفاقية عنتيبى التى لم توقعها ثلاث دول هى مصر والسودان والكونغو، وذكر أن السبب الرئيسى لهذه الاتفاقية هى عدم رضاء دول المنبع عن الاتفاقيات التاريخية السابقة وأنهم يسعون إلى نصيب عادل من مياه النيل. وأشار سيادته إلى أن مساهمة النيل الأبيض لحصتى مصر والسودان محدودة، وأنه كان من الأفضل فصل مباحثات النيل الأبيض عن مباحثات النيل الأزرق، وللشهادة بقية.