يضعون أيديهم على قلوبهم وهم يمرون من هذه المنطقة، يدعون الله أن يمروا منها سالمين، دون أن يعترض أحد طريقهم، كي لا ينتهي بهم الأمر مخطوفين. تتسارع دقات قلوبهم مع كل خطوة تخطوها سيارتهم في طريقها للحدود المصرية، يرسمون الصليب كعادتهم، ويتمتمون بكلمات يتوسلون بها لإلهم أن ينجيهم مما وقع فيه سابقيهم، يغمضون أعينهم خوفًا من أن يلقوا ما يخشوا، إلا أن الأمر ينتهي بهم كشاه تساق لذبحها، وفي الغالب تلقى مصرعها، ولا تشفع لهم "سرت" ما شهدته من خوفهم. في المنطقة الممتدة على البحر المتوسط، بين العقيلة شرقًا وبويرات الحسون غربًا، نشأت عدة مستوطنات فينيقية، بعدها وخلال حكم الفاطميون تأسست مدينة عرفت ب"سرت"، خلال القرن العاشر الميلادي، تسمى الآن ب"المدينة" وتقع الآن شرق مدينة سرت الحالية، أما الحالية فأنشئت عام 1303 خلال ولاية أحمد راسم باشا على طرابلس، وتولى إنشاءها قائم مقام قضاء سرت عمر باشا المنتصر. الهماملة والفرجان ومعدان وقماطة، ولحسون والمزاوغة والربايع والمشاشي، والمغاربة والهوانة والزياينة، وغيرهم من القبائل التي سكنت سرت بعدما أسسها المنتصر، وانتقل للعيش بها عائلات كثيرة من مصراتة، المدينة التي تكاد تشبه "المصيدة" للمسيحيين اليوم، احتلها الإيطاليون في ديسمبر 1912، واتحد خلالها الليبيون واستطاعوا هزيمة إيطاليا بقيادة الجنرال أمياني، وعقد فيها أول مؤتمر للوحدة الوطنية يناير 1922، أيام الجهاد ضد الغزو الإيطالي لليبيا. "سرت" التي يقترب عدد سكانها من 100 ألف نسمة، شهدت في التسعينيات إعلان الاتحاد الإفريقي في 9 سبتمبر 1999، بأحد معالمها الشهيرة، وتوقيع اتفاق سلام البحيرات العظمى، كما كانت تعقد فيها اجتماعات مؤتمر الشعب العام الليبي. علاقة خاصة ربطت بين سرت ومعمر القذافي، الرئيس الليبي الراحل، فكانت مسقط رأسه عام 1942، ومكان مقتله أيضًا على أيدي الثوار في أكتوبر 2011، أولاها أهمية خاصة ونقل لها معظم الوزارات في الثمانينات والتسعينيات، حتى أعلنها عاصمة ليبيا في 2011، بعدما فقد السيطرة على طرابلس خلال الحرب الأهلية الليبية. بعدما سعى القذافي لأن تكون سرت إمبراطوريته، كانت رمزًا للعمران والرفاهية، لكنها دُكت خلال المعارك الطاحنة بين كتائب القذافي والثوار، فضربه حصنه الذي اعتقد أنه يحميه، وتهدمت البيوت وتساوت بالأرض، وتكومت الجثث بمبانيها، وتحطمت مدينة أحلام القذافي. بعدها انتشرت الجماعات المتطرفة في ليبيا، وعلى وجه الخصوص في سرت، وتدهورت العلاقات بين المصريين، وعلى وجه الخصوص الأقباط منهم، حتى أن إرهابهم بات يتم بناء على هويتهم الدينية، ومنذ 27 أغسطس الماضي، باتت شوارع سرت تصطاد المسيحيين في رحلات عودتهم إلى الحدود المصرية، حيث اختطف 36 مسيحيًا مصريًا قتل بعضهم.