ما زلنا يا صديقى عند أولئك الذين أساءوا إلى الإسلام، ومع رأينا الذى استقر عليه قلبى بأن أحداً لا يستطيع الإساءة إلى الإسلام، إذ إن الذى يسىء إنما يسىء إلى نفسه، ومن أحسن فلها، إلا أننى أرى من ينتفض غضباً ظاناً أن هناك من أساء إلى الله أو إلى الرسول، نعم أعرف أن هناك مباراة قديمة عمرها مئات السنين تدور رحاها بين من يسىء إلى مشاعر المتدينين من المسلمين، ومن يسىء إلى مشاعر المتدينين من المسيحيين، إلا أننا فى أوقات التخلّف الحضارى تزداد الحساسية وتزيد الظنون، ومع ذلك من ذا الذى فى مقدوره أن يسىء؟ من أنت يا أيها الصغير الذى لا يكاد يُرى حتى تسىء إلى خالق الكون؟ أنت فى عمر الكون لا شىء، وأنت فى حجم الكون لا شىء، أنت يا أنت إنما انزلقت إلى الدنيا من نطفة مذرة، وسينتهى جسدك إلى جيفة قذرة «فخفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد»، والله سبحانه هو خالق هذا الكون، وخالق الكون لا يحتويه مكان ولا يمر عليه زمان ولا تلحقه إساءة أو أذى. ومع ذلك فإننى يا أنت، أكاد أرى غطرستك وأنت تستعلى على الناس، وأراك وأنت تقول للجهلة إن هذا هو استعلاء الحق على الباطل، فمن ذا الذى أخبرك أنك الحق وأن غيرك هو الباطل؟ هل أرسل الله لك رسلاً من السماء بهذا الخبر، «قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ»، أظننى سمعت أمثال هؤلاء فى المساجد وهم يقولون على الله ما لا يعلمون، أنت من هؤلاء يا من ادعيت أنك من أهل الجنة وغيرك من أهل النار، فإن جاز جدلاً أن نتكلم عمن أساء إلى الدين، فأظنه أنت. أنت يا من حرّم على المسلمين تهنئة غير المسلمين بأعيادهم وأخذ يتفلسف ويُعمل قواعد قياس لو استخدمتها الأرانب لانقرضت من على وجه الأرض، أنت يا هذا الذى أساء إلى الإسلام وشوّه صورته أمام أهل الأرض، وأنت يا حامل السيف الخرب كم من الجرائم التى ارتكبتها باسم الإسلام وأنت تحرّك أشداقك بالتكبير كأنك جعلت الدنيا واحة سلام، وأنهار الدماء تجرى من تحت قدميك تلعنك وتلعن من قال لك إن هذا هو الإسلام. تتحدثون عن الذى أساء إلى الرسول، أتعرفون من هو؟ إذن فهو واحد عُتل زنيم أراد أن يسخر من الرسول صلى الله عليه وسلم، فأجرى على لسان أنس بن مالك خادم الرسول ما لا يجوز وما لا يجب وما لا ينبغى، وإذا بهذا العتل النطع الذى اختلق الحديث على لسان أنس يقول: (كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِى السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَوَ كَانَ يُطِيقُهُ؟ قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِىَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ)! ألم يسأل واحد من علماء الحديث، أو لم يجرِ فى خاطر البخارى أو مسلم سؤال هو: من الذى قال لأنس تلك الأمور شديدة الخصوصية من حياة الرسول، صلى الله عليه وسلم؟! ليس فى الحديث عبارة «قال رسول الله» لنعرف أنه الذى قال لأنس، وليس فيه: «أخبرنا رسول الله» لنعرف أنه هو الذى أخبر، فهل كان أنس يتجسس على رسول الله؟! أم كان الرسول يخبره سراً؟! اعمل قواعد القياس على نفسك يا أنت، هل تشيع خبر جماعك لزوجتك بين أصحابك؟ أظننى سمعت أحد الأنطاع يقول: إنما ذلك ليعلم أمته!!! أف لك يا أنت، ألا يوجد عندنا إلا التعليم العملى؟! هل تعرف مدى حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذى آذيته بهذه الأمور؟ كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو أكثر الناس حياءً، أتراه يخرج أسرار بيته للعامة أو حتى للخاصة، إذا كان الأمر للعلم، فقد كان يكفى أن يقول مثلاً: جامعوا زوجاتكن فى اليوم الواحد بغسل واحد، وكفى الله شر إفشاء الحياة الخاصة. ألم يتعلّم أحدكم من القرآن أنه كان يؤذيه صلى الله عليه وسلم، دخول الصحابة بيته دون استئذان! وبعد هذا يُنسب إلى أنس هذا الحديث، وكأنه كان يتجسس على الرسول! بأبى أنت وأمى يا رسول الله صلى الله عليك وسلم، كنت أنت الخير، بل كنت أجود الناس بالخير من الريح المرسلة، علمتنا وعلمت البشرية مكارم الأخلاق، علمتنا أن العبادة الفارغة من مضمونها مردودة على صاحبها، فقلت «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه، ومع ذلك أساء إلى دينك أولئك الذين قالوا الزور وألبسوه ثوب الإسلام». ما زلنا يا رسول الله فى وهدتنا وهواننا، نستشرف فجر أمة طال ظلامها، فاستغرقت فى نومها، نستشرف نهضة الأمة النائمة، ولكننا يا رسول الله أسأنا للإسلام كله يوم أن اتخذنا كتاب الله وراءنا ظهرياً، فتفلتت الخيرية من بين أيدينا وهُنّا على أمم الدنيا وعلى سفلة الأقوام وسفهائهم، نحن يا رسول الله أصحاب الخطيئة ولا أحد غيرنا، ذلك أننا ومنذ مئات السنين وإلى الآن، لم نحفظ مقامك الكريم صلوات الله عليك، ولم نحافظ على إسلامنا ولم نرفع من قدر قرآننا، غاية ما فعلناه أن تمسّكنا بالقشور واهتممنا بالفرعيات، وحرصنا على تعليق آيات القرآن الكريم على حوائط الصالونات وتلاوة آياته على المقابر والأموات، وأخرجنا دين الرحمة والسلام من سياقه وجعلناه دين حرب وقتال، أما دعوة القرآن لنا بأن نستنهض هممنا ونستنفر عزائمنا ونأخذ بجميع الأسباب الممكنة لكى نكون أمة جديرة بحمل هذه الرسالة والتشرّف بالانتساب لأعظم خلق الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الأمر غاب عن حياتنا وغبنا عنه، بل تصرفنا فى كل مناحى حياتنا بغير مبتغاه، فإذا كان من المفترض وفقاً لديننا أن نكون أمة العلم والعلماء، فإننا أصبحنا للأسف الشديد أمة الجهل والجهلاء، نحن أمة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ) أمة (طلب العلم فريضة) أمة (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) أمة (من خرج فى طلب العلم فهو فى سبيل الله)، ومع ذلك تركنا العلم للغرب يرتع فى مضماره كيف شاء واكتفينا بالمشاهدة والتصفيق الحاد لإنجازات الغرب واختراعاته! ثم اكتفينا من بعد ذلك باستدبار الماضى والبكاء على أطلاله دون أن نهتم ببناء الحاضر!! نحن أمة «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»، ومع ذلك لم نتقن إلا الخلافات والمشاحنات والصراع حول الحكم!! ولا أظن أن المسئولية تقع على أحد بعينه، فالكل مسئول والكل ملوم حتى النخاع، كلنا وقعنا فى الخطيئة، تلك الخطيئة التى نرفضها، ويح أمتنا!! ويح ضعفنا، ويح هواننا على أمم العالم، ويا عجبى من تناقضنا!! نرفض الخطيئة ونمارسها!! نلعن الفرقة والجهل ونستغرق فيهما، نقف عند السفاسف والفرعيات ونهمل الأصول، نثور على موضوع صحفى فى إحدى الصحف عن الرسول دون أن نقرأ الموضوع! وكيف نقرأ ونحن نغط فى جهل عميق، فإذا كنا قد هُنا على أنفسنا، فهل نتعجب من هواننا على الناس؟