«نساء للبيع.. الإسكندرية سوق كبير لتجارة المرأة.. الإخوان والسلفيون يتصدرون المشهد فى ترويج الدعارة باسم الدين.. الأسعار حسب الوزن والسن ودرجة الجمال.. طابور من السيدات أمام المساجد.. وفنادق فى البحيرة». هذه هى العناوين الرئيسية لتحقيق صحفى أجرته دينا زكى بتاريخ 9/12/2014.. واحتل صفحة كاملة بصحيفة «المساء». والغريب أن الصحفية التى أجرت التحقيق لم تذهب إلى أى مكان تحدثت عنه فى التحقيق ولم تقابل أحداً منهم.. وإنما سمعت من بعض الباحثين الاجتماعيين.. ولم تثبت بأى دليل صلة أى مكان للتزويج بالإخوان أو السلفيين. فأين الإخوان الآن حتى يقيموا مكاتب لتزويج الفتيات.. وأكثرهم هارب من الأمن وبعضهم فى السجن.. وبعضهم خارج مصر؟! ومن المعروف يقيناً إن الإخوان لم ينشئوا طوال حياتهم مكاتب لتزويج الفتيات.. وليس من تاريخهم ولا ماضيهم أو حاضرهم الاهتمام بهذا الأمر لعلة بسيطة أنهم يتزوجون من بعضهم البعض داخل دائرة مغلقة عليهم.. ولديهم قسم خاص بالمرأة.. وهم يتعارفون عادة داخل الأسر الإخوانية.. ويتزوج كل واحد من أخت الآخر أو قريبته مما يوثق عرى الأواصر الاجتماعية بينهم.. فضلاً عن العروة الإخوانية التنظيمية والإسلامية العقائدية.. ووشائج أخرى اقتصادية واجتماعية. أما الدعوة السلفية السكندرية فترفض منذ زمن طويل التدخل فى هذه الأمور.. وتضع سياجات كثيرة بين تلاميذهم وبين النساء من جهة أخرى. والغريب أن التحقيق يتهم فى سذاجة ودون أى دليل أو برهان من قريب أو بعيد، الإخوان والسلفيين بترويج الدعارة الدينية.. ولا أدرى ما معنى الدعارة الدينية؟!! وهل الإخوان والسلفيون فى الإسكندرية هم الذين يسهلون وييسرون الدعارة والزنا بين الشباب وهم أكثر من حارب كل أشكال الزنا ومقدماته؟!! قد يعدد السلفيون الزوجات، وهذا مباح فى الشريعة، وهذا شأنهم الذى تبيحه الشريعة ويبيحه القانون.. لكن حتى المدرسة السلفية السكندرية بالذات لا تعرف كثيراً تعدد الزوجات ولا يتشجع قادتها لتطبيقه فى حياتهم.. لأن التعدد له مشاكله الاجتماعية الكثيرة.. ولم يعد الناس الآن فى سعة من أمرهم للتفرغ لمشاكل الزوجات وغيرتهن.. أما الإخوان فلا يحبون عادة تعدد الأزواج.. ونسبة التعدد فى الإخوان قليلة جداً بالنسبة لكل الحركات الإسلامية.. إذ إن المرأة الإخوانية بطبعها لا تقبل مطلقاً التعدد ولا ترضاه لنفسها. إن الطعن فى أعراض الناس شىء خطير.. واستسهال رمى الناس فى شرفهم وعرضهم من أعظم الذنوب عقاباً فى الدنيا والآخرة. قد تختلف مع الإخوان أو السلفيين فى الإسكندرية أو غيرها سياسياً.. ولكن ذلك لا يبيح لك الطعن فى عرضهم وشرفهم.. أو التقول عليهم بغير حق. إن القلم أمانة عظيمة.. وقد أقسم الله بالقلم لأنه أداة العلوم كلها.. فإذا أضحى وسيلة للجهل والتطاول والكذب كان أداة للهدم.. وفقد قدره وقيمته ومكانته. وقريب مما نشرته «المساء» ذلك الخبر الذى هللت له الصحف والقنوات جميعاً وأذاعته على الفور «إخوانى يدفع رشوة لموظف للحصول على ميزانية كشف ومرتبات ومحاسبات وزارة الداخلية».. وطار الخبر إلى كل مكان، ثم تبين بعد يومين أن الذى دفع الرشوة هو مواطن مسيحى. ولكن القنوات والصحف التى نشرت الخبر وهللت له لم تذكر التصويب والتصحيح الذى أوضحته تحقيقات النيابة والشرطة، وكأن دم الإخوان وسمعتهم وشرفهم هدر. هذه الأمثلة وغيرها تمثل ثقافة سائدة فى التعامل مع الخصوم السياسيين.. وبدلاً من القاعدة الشرعية العظيمة التى أرساها رسول الله صلى الله عليه وسلم متمثلة فى ندائه الشريف «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه» و«المسلم من سلم الناس من لسانه ويده» والقلم كاللسان وشبيه له. لقد أفرزت ثورات الربيع العربى خلقاً ذميماً لم نبرأ منه بعد وهو استحلال الخصوم السياسيين لبعضهم البعض فى حرب تكسير عظام أخلاقية لا هوادة فيها.. معظمها لا أساس له من الصحة.. ويدخل أكثره فى باب الشائعات التى تم تأليفها وإخراجها فى الظلام. ومنها ما أشاعه بعض الإسلاميين ضد مذيعة شهيرة فى قناة CBC بزعم أن والدتها راقصة.. فى حين أن هذه المذيعة من بيت كريم من بيوتات العلم، ووالدها كان عميداً لكلية البنات التى تدرس الشريعة الإسلامية واللغة العربية. إن استحلال أعراض المخالفين سياسياً هو أكبر جريمة أعقبت ثورات الربيع العربى.. ولن يبارك الله لكل من يفجر فى الخصومة.. ولعله يرزق بمن يفجر معه فى الخصومة ويصليه من نيران الانتقام الأعمى الويلات. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيماً حينما نبه إلى أن صفة الفجور فى الخصومة هى من علامات المنافق «وإذا خاصم فجر».. ومعظم الذين تخاصموا واختلفوا سياسياً بعد ثورات الربيع العربى بالذات بلغ فجورهم فى الخصومة حداً لا يطاق. إن العدل حتى مع الخصوم هو شأن الصالحين الأتقياء الأصفياء.. أولئك الذين يعيشون بقلوبهم وجوارحهم مع قوله تعالى «وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى». إن العدل ليس أساساً للملك فحسب.. ولكنه أساس لاستقامة الدنيا وحسن سيرها.. وبالعدل وللعدل أنزل الله الكتب.. وأرسل الرسل.. وأقام الموازين بالقسط يوم القيامة وأقام الصراط.. فمتى نعدل حتى مع خصومنا.. ومع من نحب ومن نكره.. ومن أقبل علينا ومن أدبر عنا.. ومن معنا ومن ضدنا؟ متى ندعو مع الرسول عليه الصلاة والسلام «اللهم إنى أسألك العدل فى الرضا والغضب.. لأنه فى الرضا تعطى الإنسان فوق حقه.. وفى الغضب تسلبه حقه.. وفى الرضا تمتدحه بما ليس فيه.. وفى الغضب تذمه بما ليس فيه»؟ آآه.. ما أصعب العدل فى دنيا الناس.. وما أعظم الإنسان الذى فيه قبسة من اسم الله «العدل».. فما أحوجنا إلى هذه القبسات.