"ياباني في غير ولدك ياباني في غير ملكك"، المثل القديم ينطبق على عم "طلعت"، القادم من مدينته البعيدة بني سويف للقاهرة بحثًا عن أرض يعمل بها مزارعًا، بعدما قضى عمره كله فخورًا بأنه "فلاح" وصاحب زرع و"طين" يورثه لأبنائه. "لولا المرض، كنت قعدت في أرضي معزز مكرم، مفيش حاجة بتفضل على حالها"، بحسرة شديدة، قالها الرجل الخمسيني متحسرًا على حاله، بعدما اغتال الموت زوجته من قسوة الفقر، تاركة 3 أبناء في عنقه: "بقالي سنين مريض في كبدي وبتعالج من فيروس سي، وطول عمري صاحب أرض كانت صغيرة بس عايشين من خيرها لحد ما بعتها عشان أعرف أصرف على مراتي لأنها كانت عاجزة"، مضيفًا: "فلوسي خلصت على العلاج ومراتي ماتت ومحدش راضي يشغلني في أرضه في البلد، فقررت أسيب البلد وأشوف حد يشغلني في أرضه أراعيها وأزرعها عشان أعرف أصرف على عيالي، منا مبعرفش أشتغل في حاجة إلا الأرض لأني طول عمري راجل فلاح". عمل شاق استهلك جسده وصحته في مقابل سبعة جنيهات، بعد اضطر عم "طلعت" للعمل كمزارع في إحدى الحدائق بالمناطق الجديدة: "اشتغلت في العبور والشروق والمعادي ودلوقتي شغال في التجمع الخامس بس كلهم تسعيرة واحدة، الحي بيديني يومية 7 جنيه وقاعد في شقة أوضة وصالة مع ناس قرايبي مشتركين في إيجارها، لحد ما ربنا يفتحها ويرزقني برزق عيالي"، حالة من الحزن سيطرت في وجدان عم "طلعت"، لعدم قدرته على شراء علاج مرضه، "دلوقتي بحاول أقدم في العلاج على نفقة الدولة عشان كل اللي خايف عليهم من بعدي عيالي، ملهمش حد غيري في الدنيا، عيالي كلهم لسه بردوا صغيرين وأكبر عيل فيهم عنده 17 سنة، ولو متّ دلوقتي هيبقوا في الشارع، مش عايز أكتر من معاش ثابت يعيشوا منه قبل ما أموت".