بعد أقل من 48 ساعة من كشف «الوطن» لكارثة حفظ الآثار المصرية داخل «كراتين وأجولة» فى مخازن متهالكة من الطوب اللبن مسقوفة بجريد النخيل فى منطقتى سقارة وميت رهينة جنوبالجيزة، حصلت الجريدة على صور تكشف عن كارثة جديدة تهدد ب«تعفن» 3 آلاف قطعة أثرية نادرة فى متحف ومخزن بنى سويف والذى يعانى من تسرب المياه الجوفية إليه منذ أكثر من عامين، ما تسبب فى غرق المخزن وتضرر حوائط وآثار الطابق الأول فى المتحف المكون من طابقين. الصور تكشف عن حالة من الإهمال غير المسبوق تسببت فى «تعفن» بعض القطع الأثرية التى ترجع لعصر الأسرة العاشرة فى «أهناسيا»، وقت أن كانت المنطقة هى عاصمة مصر. الآثار الأكثر تضرراً طبقاً للتقرير الأولى الذى أعده القائمون على الترميم بالمتحف والذى حصلت «الوطن» على نسخة منه هى القطع المصنوعة من مواد عضوية «جلود وأخشاب ومومياوات» والتى ترجع إلى عصور مختلفة: إسلامية وقبطية ويونانية وفرعونية، حيث تسببت المياه والرطوبة فى تحلل أجزاء من المشربيات والأبواب والحليات الخشبية الفاطمية والمملوكية، فيما أصاب الصدأ أجزاء من الأباريق والأوانى المعدنية، فضلاً عن تعفن جلود «المزامير» التى تحفظ النصوص الدينية المسيحية والملابس والأحذية القبطية، بخلاف تشبع التماثيل اليونانية الرومانية المصنوعة من الحجر الجيرى بالمياه التى ارتفع منسوبها فى المخزن، وحدث لها ما يسمى فى علوم الترميم ب«التجوية الملحية» أى سقوط القشرة الخارجية عن التماثيل ما قد يتسبب فى تفتتها حال نقلها أو تعرضها لأى اهتزازات أو حتى لمسها باليد. أما عن الآثار الفرعونية فحدث ولا حرج، وطبقاً للتقرير تعرض تابوتاً فرعونياً يرجع إلى عصر الدولة الوسطى لإصابات بيولوجية وسقطت ألوانه بالكامل على الرغم من أنه كان بحالة «ممتازة» قبل تدهور حال المخزن. وأما القطعة الأكثر ندرة، فهى لتابوت يحوى جنيناً ومومياء ذات قناع معدنى، حيث تعفن الصندوق بالكامل وتم إنقاذ الجنين فيما تفتتت أجزاء من المومياء نفسها. من جانبهم، تقدم عدد من العاملين فى المتحف بمذكرة إلى الدكتور ممدوح الدماطى، وزير الآثار، قالوا فيها إنهم أرسلوا عدة استغاثات إلى الوزارة، إلا أن «التجاهل» كان مصير هذه الاستغاثات، وهو ما دفعهم لشراء «طلمبة» لسحب المياه الجوفية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وقال العاملون ل«الوطن» إنهم اشتروا الطلمبة على نفقتهم الخاصة عقب وقف عمل الشركة المختصة والتى اتفقت معها الوزارة بمبلغ تجاوز 12 مليون جنيه لسحب المياه الجوفية العام الماضى، من أجل الضغط على الوزارة لصرف الدفعة الثانية من «المستخلصات المالية»، ونتيجة ذلك تضرر نحو 3000 قطعة أثرية مودعة فى المخزن الموجود فى «بدروم المتحف». وأضاف العاملون أن الأمر لم ينته عند هذا الحد، فنظراً لتحجج الوزارة بضعف التمويل، اضطروا الأسبوع الماضى وللمرة الثانية للإنفاق على المتحف من رواتبهم الهزيلة، حيث اتفقوا على بناء طابق جديد أعلى المتحف لنقل الآثار الموجودة فى المخزن إليه بعيداً عن الرطوبة والمياه الجوفية، وهو ما لم يفعله وزيران ل«الآثار» و3 رؤساء لقطاع المتاحف، على حد قولهم، إلا أن شركة المقاولات التى «دمرت المتحف» حررت محاضر شرطة لمنعهم من بناء هذا الطابق و«ضمان إسناد بنائه للشركة استكمالاً لمسلسل إهدار المال العام»، حسب تعبيرهم. واللافت، كما يؤكد العاملون، أن الوزير «الدماطى» زار المتحف فى 17 أكتوبر الماضى واطلع بنفسه على حال الآثار المهملة فى المخزن والمتحف، واستمع من إخصائى الترميم وأمناء المتحف إلى شرح حول مشكلة ارتفاع منسوب المياه الجوفية والمشكلات التى تسببت فيها الشركة المسئولة عن التطوير ومقترحات العاملين لحل الأزمة، وأبرزها ضرورة سرعة نقل الآثار إلى مخزن جديد تتوفر فيه كل ظروف الأمان، وسرعة العمل على تطوير المتحف والانتهاء منه أو نقله إلى الأرض المخصصة له بمدينة بنى سويف الجديدة، ووعد «الدماطى» بحل الأزمة فى غضون أيام ولكن حتى كتابة السطور لم يصدر قرار واحد من الوزير لإنقاذ المتحف، حسب قولهم. وبرهن العاملون على صدق كلامهم بالعبارة التى تناقلتها وسائل الإعلام على لسان «الدماطى»، الذى قال رداً على العاملين بالمتحف: «موتوا أحسن عشان أرتاح منكم، أما الآثار فسأحل مشكلتها فى غضون أيام». من جهتها، قالت الباحثة الأثرية انتصار غريب إن «التعفن الذى أصاب آثار متحف بنى سويف من المستحيل علاجه، خاصة فى المومياوات التى نجح الفراعنة فى حفظها لمدة 4 آلاف عام، ثم جاء أحفادهم وفشلوا فى الحفاظ عليها 20 عاماً هى عمر المتحف الذى اُفتتح عام 1997»، مشيرة إلى أن «القائمين على قطاعى المتاحف والمخازن الأثرية اكتفوا بتعريض الآثار للهواء، لتجفيفها». وكشفت «غريب» عن أن «محافظة بنى سويف خصصت أرضاً لإنشاء مبنى متحفى جديد لنقل الآثار إليه، وحتى هذه اللحظة لم تتحرك الوزارة على الرغم من علم المسئولين أن مشكلة المياه الجوفية لن تُحل نظراً لوجود المتحف والمخزن أعلى فرع لترعة قديمة، وإمعاناً فى إهدار المال العام اتفقت الوزارة مع أحد المكاتب الاستشارية ورصدت 12 مليون جنيه لتنفيذ مشروع لسحب المياه الجوفية وتخفيض منسوبها، مع أنه كان من الممكن بناء متحف على أحدث الأسس العلمية بهذا المبلغ». وأشارت الباحثة إلى أن مسئولى «الآثار»، «لم يتكبدوا عناء زيارة المتحف والمخزن للوقوف على حالته، واكتفوا بإصدار أوامر من مكاتبهم فى غاية الغرابة ولا علاقة لها بالأساليب العلمية لحفظ الآثار، فصدور قرار بتعريض القطع التى أصابتها الرطوبة للشمس والهواء لتجف يهدد بتدمير الأثر، لأن أى طالب مستجد فى كلية الآثار يعلم أن تغيير الجو المحفوظ فيه الأثر بطريقة مفاجئة يؤدى إلى تفتته تماماً، خاصة تلك الآثار المصنوعة من مواد عضوية، وإصابة بعضها بالتعفن يزيد من حدة المشكلة، لأن العفن يضرب هيكل الآثار ويضاعف من احتمالية تدميرها تماماً». وفى المقابل، أكد أحمد شرف، رئيس قطاع المتاحف أنه «تم بالفعل سحب المياه الجوفية»، نافياً ما قاله العاملون بالمتحف من أنهم اشتروا طلمبة مياه على نفقتهم الخاصة لسحب المياه. وقال «شرف» ل«الوطن»: «أنا أتعجب من الشائعات التى يروجها العاملون بالمتحف على الرغم من أن إهمالهم هو السبب الرئيسى فيما حدث، وهو ما دعانى لإحالتهم للتحقيق فلم يكن من المفترض بهم ترك الوضع ليصل إلى هذه الحالة من السوء فى انتظار تحرك مسئولى الوزارة، فهذه الآثار فى عهدتهم ومن أساسيات عملهم الحفاظ عليها» بل إنهم ادعوا قيامهم بسحب المياه على نفقتهم على الرغم من وجود مشروع لسحب المياه بمعرفة المهندس الاستشارى مصطفى الغمراوى الذى وضع خطه متكاملة لمحاصرة المياه». وحول «تعفن» بعض القطع الأثرية فى المخزن، قال «شرف» إنه «أمر طبيعى يحدث منذ عهد الفراعنة لجميع المواد العضوية وهو ليس بالجديد ويتم التعامل معها على أساس علمى بوضعها فى الشمس على تربة رملية لامتصاص المياه والرطوبة وتركها للهواء الطلق للقضاء على الفطريات التى علقت بها، وهو ما تم مع آثار مخزن بنى سويف التى نُقلت من البدروم إلى الطابق الأول فى المتحف لضمان جفافها وإزالة العفن منها، بما فى ذلك المومياوات». وحول أسباب ترك القطع الأثرية بهذه الصورة المهينة، مكدسة على أرضية المتحف، قال «شرف» إن «المتحف قديم نسبياً، ويعد إرثاً ثقيلاً علىّ أنا شخصياً كرئيس لقطاع المتاحف، وهو يعانى عدداً من المشكلات، منها افتقاره للرفوف وأجهزة التهوية وسحب الرطوبة، فى حين أن الوزارة بشكل عام تعانى -بدورها- نقص التمويل منذ ثورة 25، وهو ما أعاق عمليات إنقاذ المخزن لفترة طويلة، كما أنه مبنى على منطقة كان يمر بها أحد فروع النيل، ما يعنى أن مشكلة المياه الجوفية فى المكان لن تنتهى». وعلى الرغم من حصول «الوطن» على صور تكشف عن مدى الإهمال الجسيم، وعن إلقاء الآثار وتكديسها على أرضية المخزن وتعفن بعضها، قال رئيس قطاع المتاحف إن «الآثار محفوظة وموضوعة على خشب فى المخزن وليس على الأرض مباشرة».