عندما يدق الشتاء أبواب منزلها المتواضع، تنزوى أمام موقد النار قبل طلوع الفجر، تتعلق عيناها على أكوام البطاطس المحيطة، تشمر عن ساعديها، ولسان حالها يقول: «استعنا على الشقا بالله»، هنا تطفق فى تقليب الطعام يميناً ويساراً حتى تنهى عملها فى صمت بالغ، تمد ابنها بساندوتشات البطاطس المحمرة ليبيعها لأهالى منطقة عشش المنيب فى سبيل تدفئتهم مقابل نصف جنيه للرغيف الواحد. الخسارة التى انكوت «رضا» بنارها جرّاء سيول الشتاء العام الماضى، وأتت على معظم أثاث منزلها، لم تمنعها من تحويلها إلى مكسب، ففكرت فى مشروع ساندوتشات البطاطس، بحكمة أن الشتاء لا يقتله إلا الدفا أو الطعام، معتمدة على أهالى منطقتها فى تعويض خسارتها، لأنها حسب وصفهم «لهم مزاج فى الأكل»، بحسبها: «بشترى من سوق المنيب بطاطس بنص التمن، وبعدين أروح آخد أرغفة العيش من المخبز، واشتغل مع الفجر، وابنى محمود يبيعها مع طلوع النهار للناس». «رب ضارة نافعة» الحكمة التى تؤمن بها السيدة الأربعينية، إذ لم تستسلم للحزن على أثاث فقدته فيما قبل، بل حوّلته إلى مكسب وفير بمشروع ساندوتشات البطاطس الذى استطاعت من خلاله شراء أجهزة كهربائية، وأوشكت على اقتناء منزل جديد. لا تعرف «رضا» الاستسلام، أو هكذا تصف نفسها، مضيفة: كنت بخيط لأهالى المنطقة فساتين وهدوم للعيال، بعد ما جوزى مات، وماكانش حيلتى غير مكنة خياطة، ولما المشروع خسر اتجهت للساندوتشات فى الشتا، ومطرح ما ترسى ندقّ لها».