لا شك أنهما كانا حدثين فى غاية الأهمية. الدعوات على «فيس بوك» كانت متنامية بخروج ثورة الشباب المسلم يوم 28 نوفمبر. طيب أنا مسلم ومش خارج. آه جايز مش شاب. رهانى ورهان غيرى كثيرون ممن عملوا بالصحافة والتليفزيون وعايشوا كل الأحداث فى السنوات الأربع الماضية كان على أن تلك الدعوات ستُفضى إلى لا شىء. رهانى لم يكن مقامرة، بل حسابات واضحة تماماً. فقبل فض اعتصامى رابعة والنهضة العام الماضى كان المتأسلمون السياسيون الذين كتبت عنهم الأسبوع الماضى هنا فى «الوطن» (مقال «الدين الجديد») كانوا طلقاء فى الشوارع بكامل أعدادهم وقياداتهم حرة طليقة لم تودع السجون بعد، وكان المال يجرى بين أيديهم جرى النهر من المنبع إلى المصب، وكان السلاح فى أيديهم لا يُعد ولا يُحصى. إذن كانت تلك هى الفترة التى يجب أن يقاوموا فيها الرغبة الشعبية العارمة التى أدت إلى عزل «البارافان». حاولوا وفشلوا وذهبت ريحهم وراهنوا على الخسّة المسماة الإرهاب. وهو مرض عضال فى دول العالم تكون أقصى الأمانى أن تحجّمه وتقلصه، فهو لا يقضى عليه. والدليل على ذلك أن الولاياتالمتحدة بكل هيلمانها ومالها وعتادها وقواتها وأجهزتها الأمنية عجزت منذ أربعة عشر عاماً عن القضاء على الإرهاب، رغم الجيوش التى خرجت من حدودها إلى أفغانستانوالعراق لدحره. غير أن طالبان بدأت فى العودة إلى قدر من قوتها الآن وانتشرت «داعش» فى العراق وبلاد الشام مهددة بالوصول إلينا فى الملاذات الآمنة التى وفّرها «المعزول» فى جبال سيناء. وبما أن المقدمات تفضى إلى النتائج، وهى دروس المنطق التى نتعلمها فى الصغر (ولا يستفيد منها سوى من يريد) قررنا فى الفضائيات أن نكشف زيف ادعاءات الداعين إلى أضحوكة «ثورة الشباب المسلم». دعوت الزملاء فى كل الفضائيات الخاصة إلى التحالف ونشر أكبر عدد من الكاميرات فى ربوع الوطن، مع نقل حى مباشر من تلك الكاميرات المتحركة. الرهان هنا كان أن نكشف ضعفهم وزيف ما تنقله «الجزيرة» حينما يتجمّع عشرة أشخاص فى حارة مزنوقة لالتقاط «السيلفى»، وهم يرفعون شعارهم ويرددون هتافات مدتها دقيقة ويرسلونها إلى القناة للإيحاء بثورة الشعب فى كل شوارع مصر وترسيخ تلك الصورة الذهنية للمشاهدين فى العالم. تحديناهم أن يظهروا أمام الكاميرات وخسروا هم التحدى. واصلوا التصوير بأعداد قليلة كان أكبرها فى المطرية والاختفاء سريعاً، ولما كانوا حوالى خمسمائة فى المطرية تمكنت أجهزة الأمن من تحديد مكانهم وتفريقهم. ورغم الفشل الذريع وكشف ضآلة حجم هؤلاء المدعين الهادفين إلى إنهاك الدولة والإعلام فى آن واحد معاً، خرجت بياناتهم تهلل للحشد الكبير واستمرار الثورة. بلاش أقول كلام وحش. هم فين دول؟ وهو السؤال الأول فى عنوان المقال. أما السؤال الثانى فى العنوان (طيب مين؟) فهو يخص الحكم فى محاكمة القرن ببراءة «مبارك» وولديه و«العادلى» ومساعديه. أنا لا أشكك فى نزاهة قاضٍ نظر ما بين يديه من أوراق وعمل فى إطار بنود قانون وإجراءات لا يمكنه تجاوزها. لكن السؤال يبقى: من القاتل إذن؟ من يثأر لمقتل الشباب الذى استُشهد فى ربوع مصر إبان الثورة الأولى فى 25 يناير؟ من واصل القتل بعد انهيار الشرطة فى 28 يناير؟ من المسئول عن تحريك تحقيق كبير وافٍ يكشف هوية القتلة؟ كنا نعلم أن القضايا التى يُحاكم فيها «مبارك» وولداه لن تُفضى إلى شىء. يمكن محاكمته شعبياً على تجميد البلد فى «الفريزر» سنوات طوال وتردى التعليم والصحة اللذين بدآ من عهد سلفه الراحل أنور السادات فأتاح الفرصة للمتأسلمين فى شغل الفراغ الذى تركته الدولة طائعة راضية للمستوصفات والدروس فى المساجد، مما أنتج ذلك الجيل الذى نما وترعرع فى عهد «مبارك» ذلك الرجل الذى استخدمهم فزاعة للغرب فتحالف الغرب معهم، ولا يزال، ضد أرض الكنانة وشعبها. اللهم احفظ مصر وأهلها ورد كيد الكائدين إلى نحورهم.