منذ عدة أيام، أعلن فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب عن بدء نشاط «بيت الزكاة المصرى»، وقال فى مؤتمر صحفى إن أولى المهام التى سيضطلع بها الصندوق تتمثل فى تسديد ديون الغارمين والغارمات، ودعا الشيخ وسائل الإعلام إلى دعم الصندوق، مؤكداً التعامل بشفافية ووضوح، على أن يصدر تقرير كل ثلاثة أشهر بشكل مفصل حول ما تلقاه الصندوق وما تم صرفه. كما وجه دعوته إلى المصريين لدعم الصندوق قائلاً: «أرجو من الشعب الكريم أن يثق فى هذا البيت ويتأكد من أنه القناة الآمنة». حاجة تفرح!.. والأفراح ترتبط فى الوجدان المصرى بعادة تسمى «النقطة». أهالى الأحياء الشعبية يفهمون هذا الموضوع جيداً، ويعلمون أن صعود الفرقة التى ستحيى الليلة إلى المسرح، لا بد أن يعقبه صعود واحد من أهل العريس أو العروسة ل«تنقيط» الفرقة، ليغرى غيره بعد ذلك بأن يحذو حذوه، فتبدأ الشموع المتطايرة (الجنيهات) فى التدفق على الفرقة. والعارفون بهذا الأمر يطلقون على هذا الطقس: «جر النقطة»!. كنت أتعشم أن يكون الأزهر الشريف ورجاله ومشايخه الأجلاء أول من يساهم فى تمويل صندوق الزكاة هذا إلى أن يقف على قدميه، خصوصاً أن المساهمة فى الصناديق ليست بالأمر الجديد، فقد سبق واشترى الأزهر شهادات فى مشروع حفر التفريعة الجديدة لقناة السويس قيمتها 250 مليوناً (ربع مليار جنيه). كنت أتوقع أن يتعامل المسئولون بأزهرنا الشريف بنفس الطريقة مع مشروع صندوق الزكاة الذى سيسهم فى حل مشاكل «الغلابة» فى هذا البلد، ويدعمونه ب«كام مليون»، حتى يقدموا المثل والقدوة التى تدفع غيرهم إلى دفع زكاة مالهم وتبرعاتهم فيه. توقفت أيضاً عند هذا الوصف الذى خلعه شيخ الأزهر على الصندوق: وصف «القناة الآمنة»، وتحيرت فى تفسيره، وتساءلت هل يحمل فى طياته إشارة مبطنة إلى بعض الجمعيات الخيرية التى تتولى جمع الزكاة والتبرعات من المصريين. ولعلك تذكر أننى كتبت ذات مرة عن هذه الجمعيات التى تجمع المال دون أن نعلم شيئاً عن وجهة صرفه، وقد تحولت لدى البعض إلى مجرد «سبوبة» من «سبابيب» التهليب من جيوب المصريين. لم يكن شيخ الأزهر بحاجة إلى رجاء الشعب كى يثق فى صندوق الأزهر، فهو محل ثقة لا خلاف، لكن حديثه عن هذا الموضوع يجعلنا نرجح فكرة التشكيك فى أداء بعض الجمعيات الخيرية، وقد تعشمت أن يقول فضيلة الشيخ قولاً صريحاً مريحاً فى هذا الموضوع، حتى يفهم من يلقون زكاتهم فى هذه الجمعيات أن الخير لهم أن يضعوها فى صندوق الزكاة التابع للأزهر. زكاة المصريين وعشورهم يمكن أن تشكل بالفعل قناة شديدة الإيجابية لحل العديد من المشكلات، فى أقل تقدير يمكن أن تحمى بشراً كثيرين وصل بهم الضيق والضجر إلى حد الانتحار بسبب الأزمات المالية، كان أخير هؤلاء وليس آخرهم الشاب الذى انتحر شنقاً على شباك منزله بالعاشر من رمضان والذى تداولت بعض المواقع صوره. نريد من الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية دوراً حقيقياً فى حل مشكلات هذا المجتمع، بدلاً من الكلام، اللى لا بيودى ولا بيجيب، لأن «النقطة» فى كل الأحوال هى الأهم!.