فى زمان يحمل الكثير من التحديات والموبقات أيضاً من مثبطى الهمم وأبواق اليأس ومنابر التخلف وعناتيل الإنترنت وانحطاط التصنيف، لا بد أن تنظر إلى هذه الروح التى تحرك شعباً بأكمله لتسأل نفسك: هل هذه الروح ما زالت تحمل الخير لكى تبنى حاضرها وتصنع مستقبلها بعدما أخطأت مرة بالاستكانة وأخرى بالسذاجة؟ الإجابة: نعم، فهذه الروح المنطلقة من الجغرافيا والتاريخ هى وثابة، صاحبة همة، لأنها «إذا أرادت قدرت»، فالجغرافيا والتاريخ صنعا هذا الوطن، فتعلم أهله من الطبيعة الاتحاد، الاتحاد الذى صنعه الخالق بمنحته الربانية «النيل» الذى دفع هذه الروح بقوة إلى النظام، نظام الرى الذى خلق حوله حياة متكاملة صنعت أهم حضارة فى التاريخ، ستقول بالتأكيد ما لنا وما للماضى فهذه دروس يدرسها الطلاب فى كتبهم لكنها لا تجد صدى فى أرض الواقع، فهذه الأرض دائماً كانت مسخرة لحاكميها وليس لشعبها!! فيما يخص السابق فمن حقنا جميعاً الاعتراض وذكر صفحات السواد حتى نهتدى إلى الخير، الخير الذى نحمل بذرته لكننا لم نغرزها فى الأرض حتى الآن لنرى طرحها، سنوات وسنوات والفرصة لأجيال بعينها حتى إن القطار فات الكثيرين وكما عبر عنها د. مصطفى الفقى «نظرية الدور المسحور» الذى لا يقف عنده أى مصعد، إذن هناك وطن يعانى وينتظر فرصة للوثوب إلى الأمام بعقول من المفترض أن تكون شابة تنهل من حكمة الشيوخ، لكن براءتها وهمتها هما ملخص وحل للحالة المعقدة المتشابكة التى نحياها، فتسكين الأوضاع قد يكون سبيل الإدارة المحبطة، فى حين أن الإدارة الناجحة تسعى إلى الطموحين الذين يبعثون إلى الحياة بجرعات أمل من أفكار غضة مختلفة ملونة بألوان الحيوية والأمل، إنه أمل محسوب بالظروف والواقع، وهنا يأتى دور الشيوخ ليس لكبح جماح الرؤية الشابة ولكن لتهذيب الطريق ووضع اللوحات الإرشادية وتبيان المنحنيات والتقاطعات!! أليس هذا الشعب الذى ننتقده أحياناً ألم يكن دائماً مثار دهشتنا، ألا تنظرون إلى صفحاته الخالدة، فكيف كان وكيف أصبح؟ كيف استكان وكيف خلع المستبدين؟ وإذا كان العهد القريب مثار جدل فعليكم بالماضى فهو للقراءة، أما التاريخ فهو ذكرى تتكرر، فالتجربة الإنسانية واحدة، وإن اختلف الزمان والمكان، فهذه الروح الملهمة كتبت عنها الدكتورة نازلى إسماعيل حسين فى كتابها «الشعب والتاريخ.. هيجل»: المصريون ثاروا دائماً ضد الإقطاع وقد أطاحت هذه الثورة بالدولة القديمة وهناك ظروف ساعدت على ظهور الإقطاع، منها خمول الفراعنة وسوء الإدارة وعدم انتشار الثقافة والتعليم، وأحس الشعب بوطأة الفقر فلم يذعن ولم يرضخ إنما ثار لنفسه وكرامته وخرجت مصر من هذه المحنة بفضل أمنمحات الأول، مؤسس الأسرة الثانية عشرة، الذى أعاد إلى البلاد الاستقرار والعدل. إذن هناك روح لا تشيخ ولا تنعزل عن واقعها وتسعى للعدل والإنصاف، حتى وإن انعزلت نخبها وقادة الرأى فيها، لأنها تعلمت أن انعزال نخبتها عن الواقع هو دلالة انهيار وفوضى، كما حدث عند انحلال الدولة الرومانية التى وقعت ضحية بين إرادة الخاصة وإرادة العامة، فكان مآلها إلى الانهيار والسقوط، أما أرضنا ذات الحدود المفتوحة كما أرادت لنا الجغرافيا تحتاج منا تنبهاً وحذراً لا سبيل إليه إلا بخلق النموذج والقدوة الذى تبعثه فلسفة العمل التى تحملنا إلى المستقبل بدلاً من أن نصبح ألعوبة فى يد التاريخ، خاصة أن هذه الحدود التى جاءت منها الغزوات، شرقاً أو غرباً، احتاجت من مصر دائماً أن تحمى ذاتها بذاتها فلم نستسلم لمعتد أو نرضح لقسوة غياب موانع الحماية الطبيعية، إذن كان البقاء هنا على هذه الأرض هدفاً بل حياة، الحق أن من يتأمل تاريخ مصر الطويل -حسب الدكتورة نازلى إسماعيل - لا يسعه إلا أن يشعر بالتفاؤل مع هذا الشعب الذى ذاق الكثير من المحن، واستطاع أن يتخلص منها بأصالته المصرية العريقة، وعندما تفيض الوطنية على هذا الشعب الكريم فإنه يصبح قوياً عظيماً. وختاماً هناك أمل ما دامت هناك روح، روح واعية تريد الحقيقة الأكثر وضوحاً.. «الوطن» بلا تصنيف أو شخصنة أو هوى أو غرض أو عناتيل!!