عذراً، فقد فرضت علينا فاجعة تفحم جثث فلذات أكبادنا بالبحيرة إرجاء ما تعاهدنا عليه من استكمال الحديث فى قانون الإدارة المحلية، وقوفاً أمام نزيف الأسفلت، والعبث والفوضى المرورية التى تجتاح الشارع المصرى. ولعلنا نتفق جميعاً بداية على أن مشكلات المرور هى من أهم وأخطر المشكلات التى تواجه مجتمعنا المصرى فى هذا العصر بل وتزداد معاناته يوماً بعد الآخر إلى درجة تغرس فى النفوس إحساساً بأن الحل أصبح ضرباً من ضروب الخيال نظراً للتداخل والترابط الشديد بين أطراف المشكلة الثلاث (الإنسان والمركبة والطريق). وبديهى أن قضايا ومشكلات المرور ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحياة اليومية للمواطن من حيث تهديدها لسلامته، وحياته، فضلاً عن ارتباطها باقتصاده الوطنى، إذ إنها تتفاقم وتزداد حدة يوماً بعد يوم نظراً لما يشهده المجتمع الإنسانى من تطور مطرد فى التوسع الأفقى والامتداد العمرانى، مع زيادة هائلة فى أعداد المركبات، وحجم ومساحة حركة المشاة من ناحية، والمركبات من ناحية أخرى، وهو ما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالزيادة السكانية المطردة فى ظل ثبات الرقعة المسكونة على حالتها، ولهذا فهى ليست من المشكلات التى يكمن علاجها فى مجرد تغليظ عقوبة مادة أو بضع مواد فى قانون المرور!!! وحرى بنا هنا أن نؤكد أن المواجهة الحقيقية لتلك المشكلة (الكارثة) تتطلب البحث المتعمق فى الأسباب، وخاصة فى ظل تشعبها وتشابكها، حتى يمكن وضع طرق مواجهتها بحلول غير نمطية، إذ لم يعد الحل الأمنى منفرداً، أو التدخل التشريعى بتغليظ العقوبة، يمثلان الحل الناجع لمشكلات تشابكت أسبابها وضربت بجذورها ولعقود طويلة، ولنضرب هنا مثالاً بتغليظ المشرع المصرى لعقوبة جلب المخدرات حتى وصل بها إلى حد الإعدام مبتغياً الردع فى أقصى درجاته، والواقع يعكس أن هذا التغليظ لم يؤتِ ثماراً حقيقية على أرض الواقع، فالمخدرات إن لم تكن معدلات جلبها قد زادت فهى على الأقل على نفس الدرجة، والأمثلة فى هذا السياق كثيرة. من هنا نرى حتمية أنه فى سبيل مواجهة تلك (الكارثة) لا بد أن نتوقف لدراسة: حزمة الأسباب الفنية المتعلقة بشبكات الطرق ومدى ملاءمتها وصلاحيتها وقدرتها على استيعاب حجم الكثافات المرورية اليومية، وكذلك أماكن الانتظار، ومدى سعتها وكفايتها، وكذا مدى كفايتها وملاءمتها لطبيعة وثقافة وسلوكيات المجتمع المصرى وكذا دراسة الأسباب والأنماط السلوكية البشرية والمرتبطة إلى حد كبير بعوامل وقوع تلك الكوارث، وكذا دراسة الوسائل الملائمة لرقابة سلوكيات قائدى ومستخدمى وسائل النقل وضبط المخالفين والسرعة فى اتخاذ الإجراءات القانونية. أضف إلى ذلك دراسة مدى توفر شروط الأمن والمتانة والصلاحية لكافة أنواع المركبات النقل والملاكى والدراجات البخارية والتوك توك والكارو. وصولاً لحلول تتناسب مع شعب ومجتمع عاش ولعقود طويلة فيما يمكن تسميته بفوضى مرورية وسلوكية شاملة. وهنا نصرخ بسرعة دراسة شبكة الطرق دراسة حقيقية ووضع تقرير واقعى أمين وصادق عن حالتها، مع عدم البدء فى إنشاء أى طرق جديدة إلا بعد إصلاح الشبكة الحالية المتهالكة والمهترئة فالمسألة ليست بالكم، بل هى بالكيف، حيث من غير المعقول أن يكون لدينا 24 ألف كيلومتر طرقاً متهالكة وتتسبب يومياً فى مثل تلك الكوارث وتبدأ هيئة الطرق فى طرح 3600 كيلومتر جديدة تاركة الشبكة المستخدمة على مدار الساعة على تلك الصورة المرضية المهترئة!!! ضرورة دراسة المخالفات والوقوف على أسبابها الحقيقية مع أهمية الوقوف على مصير تلك المخالفات وما تم حيالها من إجراءات قانونية، لأنه ليس سراً أن الواقع يقرر أن مصير 95% من تلك المخالفات ينتهى إلى لا شىء من خلال ما تلعبه دوائر المحسوبية والوساطة والعلاقات الشخصية جنباً إلى جنب ما هو متروك كسلطة تقديرية لنيابات المرور والتى تؤدى حتماً إلى تفريغ تلك العقوبات من مضمونها!! 1- ضرورة اتباع سياسة الجدية والحزم فى تطبيق مواد القانون دون أية تفرقة ودون النظر لاعتبارات الشخص المخالف أياً كان وضعه الاجتماعى والوظيفى. 2- تجريم مخالفات السيارات النقل فيما يتعلق بالحمولات الزائدة فى الأوزان والأحجام عما هو مقرر قانوناً بما يصل بالعقوبة إلى السجن لما تسببه تلك المخالفة من تداعيات متشعبة (انهيار الطرق والكبارى والمزلقانات) والإخلال بمدى قدرة قائد المركبة على التحكم فيها. 3- ضرورة التوسع فى استخدام كاميرات المراقبة والرادارات، ولكم فيما عرف بنظام ساهر المطبق بالمملكة العربية السعودية خير مثال. 4- سحب وإلغاء تراخيص السير التى تثبت المراقبة والفحص الفنى المفاجئ على الطرق وجود عيوب فنية فى المركبة. 5- النص وفوراً على قصر الترخيص على السيارات بكافة أنواعها وأغراضها على السيارات التى لا يتجاوز موديل صنعها 15 سنة على أقصى تقدير. 6- التوسع فى المخالفات الفورية كأسلوب ردع سريع وناجز لضبط المخالفات المتكررة وأن تكون تلك المخالفات فى مقدارها ملائمة ومحققة لفكرة الردع مع استحداث الأخذ بنظام النقاط فى تشكيل سلوك قائدى المركبات لما سجله ذلك النظام من نتائج إيجابية فى ضبط السلوك فى الدول الآخذة بتطبيقه (إنجلترا - دبى) مثالاً لا حصراً. 7- دعم الإدارات العامة للمرور بالقوى البشرية بما يناسب الطرق ومساحاتها الشاسعة، وكذا دعمها مادياً بما يحقق لها حالة من السيطرة الكاملة على حركة المرور والرقابة اللصيقة على الطرق والمركبات وسلوك الأفراد. 8- ترسيخ وتعميق الوعى المرورى من خلال التنسيق مع وزارتى التربية والتعليم والشباب والرياضة لإدخال مقررات الثقافة المرورية لمختلف المدارس والمراحل التعليمية وكذا النوادى ومراكز الشباب بدءاً من رياض الأطفال وحتى الجامعة مع استحداث طرق حديثة للتوعية المرورية بوسائل الإعلام المختلفة. عذراً، تلك كانت رؤيتنا، فالخطب جلل والمصاب أليم حتى إن العيون تحجرت فيها الدموع، والكلمات تجمدت على طرف اللسان والقلوب التاعت وغمرها الحزن العميق أمام فاجعة لم تكن الأولى، وأعتقد أننا لو استمر بناء السير على الدرب بذات الطريقة العبثية والفوضوية فلن تكون هى الأخيرة، وهنا تأتى حتمية الحسم لوقف نزيف الدماء المهدرة. وللحديث بقية، إذا كان فى العمر بقية.