بقدر ما تُشير موجة الاستحواذات التي شهدتها السوق المصرية، في قطاعات عدة مؤخرا، إلى وجود نشاط اقتصادي إيجابي - رغم تبعات الجائحة - بقدر ما تثير تلك الصفقات العديد من الاستفهامات بشأن مدى التأثير سلبا على الاقتصاد بشكل عام، عبر خلق كيانات عملاقة تقتنص حصص سوقية أكبر، يمكن من خلالها، مُستقبلا، إنشاء مراكز احتكارية قادرة على الإضرار بالمستهلكين والإخلال بقواعد المنافسة العادلة. في يناير الماضي، رفضت الحكومة الفرنسية إتمام صفقة كبرى كان سيتم بموجبها استحواذ شركة «أليمنتيشن كوش تارد» الكندية على شركة «كارفور» عملاق التجزئة الفرنسية بقيمة قُدرت ب20 مليار دولار، وأرجعت الحكومة الرفض إلى التأثيرات السلبية المحتملة للصفقة على قطاع التجزئة، والمخاوف من نشوء كيان احتكاري في القطاع، وفي نوفمبر الماضي أخبرت هيئة المنافسة البريطانية شركة «ميتا» المالكة ل«فيس بوك» بضرورة بيع منصة مشاركة الصور المتحركة المعروفة باسم «جيفي»، و التي تم الاستحواذ عليها في أغسطس، وأرجعت الخطوة إلى أن الصفقة قد تضر مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والمعلنين، كما أنها ربما تطيح بمنافس محتمل في القطاع. زخم الاستحواذات وبينما يستعد العام الحالي للرحيل مُحمّلا بأعباء فيروس »كورونا» ومتحوراته، كانت مصر على موعد مع وتيرة متسارعة من صفقات الاستحواذ الكبرى في العديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية. ولم تكن صفقة استحواذ مجموعة حديد »عز» على حصة رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة في حديد المصريين، والبالغة 18%، وحدها الحاضرة في المشهد المزدحم بصفقات توازيها في الأهمية بقطاع العقارات والقطاع الطبي، وقطاع الاتصالات على سبيل المثل. وشهد العام 2021 زخما بالغا في نشاط الاستحواذات والاندماجات، إذ يُظهر تقرير صدر في سبتمبر الماضي، عن مجموعة «بيكر آند ماكنزي» أن قيمة صفقات الدمج والاستحواذ في مصر زادت 4 مرات خلال النصف الأول من العام الجاري، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، وأظهرت بيانات المجموعة العالمية أن قيمة تلك الصفقات تجاوزت 4 مليارات دولار، مقارنة مع 906 ملايين دولار في النصف الأول من 2020، بإجمالي 111 صفقة وبارتفاع نسبته 50%. اقرأ أيضا: هل تقود صفقة «عز - أبوهشيمة» إلى احتكار سوق الحديد؟.. مسئولون يجيبون ويوضح التقرير تفصيلا خريطة الزخم، فيشير إلي أن أغلب الصفقات المصرية تمت بين كيانات محلية، إذ تم إبرام نحو 59 صفقة، بإجمالي قيمة 1.6 مليار دولار، مقابل 162 مليون دولار هي حصيلة 42 صفقة في النصف الأول من العام الماضي، كما يوضح أن عدد صفقات الدمج والاستحواذ العابرة للحدود بلغ 52 صفقة بقيمة 2.8 مليار دولار، مقابل 32 صفقة بقيمة 744 مليون دولار. صفقات صاخبة ورغم ما يكشفه التقرير من نشاطٍ هائل في النصف الأول، إلا أن النصف الثاني كان صاحب الصفقات الأشهر، والأكثر إثارة للجدل إعلاميا وعلى مستوى السوق بشكل عام، نظرا لارتباطها بأسماء لامعة في عالم البيزنس أولا، ولتأثيرها الاقتصادي القوي ثانيا. حازت صفقة استحواذ «عز - أبو هشيمة» على الصخب الأكبر خلال شهر ديسمبر الجاري، لكن صفقات لم تكن تقل أهمية عن تلك الصفقة كانت حاضرة في المشهد، لعل أبرزها صفقة استحواذ تحالف «الدار العقارية» و«جاما فورج» على 85.5% أسهم شركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار «سوديك» بقيمة تجاوزت 6 مليارات جنيه، وهي الصفقة الأكبر في سوق العقارات خلال العام الحالي، بالإضافة إلي صفقة استحواذ أخرى بلغت قيمتها 1.8 مليار جنيه، تمثل في شراء شركة «إم سي آي كابيتال»، لنحو 23% من أسهم مجموعة مستشفيات كليوباترا، والتي تعد إحدى كبريات مستشفيات القطاع الخاص في مصر. غياب الرقابة ورغم تعدد تلك الصفقات، وتنوعها، إلا أن العامل المشترك الذي يجمعها هو غياب الرقابة المسبقة على عمليات الاستحواذ، ما يستدعي بالضرورة الدور المحوري لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية. في نوفمبر 2020 وافق مجلس الوزراء رسميا على تعديلات جوهرية بقانون حماية المنافسة وحالها إلي مجلس النواب، وهي التعديلات التي تتيح للجهاز صلاحيات أوسع، وتمكنه من الرقابة على صفقات الاستحواذ قبل إتمامها، وتمنحه حق القبول أو الرفض، وفقا لمدى الأضرار المحتملة، إلا أن تلك التعديلات لم تر النور منذ عام، ولم تخرج من أروقة مجلس النواب دون أسباب واضحة. تنص التعديلات على حظر ما يسمى ب«التركز الاقتصادي» في حالة إذا ما كان له تأثير على «الحد من حرية المنافسة، أو تقييدها، أو الإضرار بها، وخاصة إذا كان ذلك من شأنه إنشاء وضع مسيطر، أو تدعيم وضع مسيطر قائم بالفعل، أو تسهيل ارتكاب أي من المخالفات الواردة بالقانون». اقرأ أيضا: مصدر حكومي: رفض حماية المنافسة لصفقة «كليوباترا - ألاميدا» غير ملزم و قبل شروع مجلس الوزراء في إجراء تلك التعديلات كان لجهاز حماية المنافسة دورا بارزا في وقف صفقات بالغة الأهمية، ربما كان على رأسها صفقة اندماج مجموعة مستشفيات «ألاميدا» مع مستشفيات «كليوباترا»، إذ حذر من تأثير الصفقة على المصريين، لما سينتج عنها من تحكم في الأسعار والمنظومة الطبية الخاصة، غير أن هذا الدور لم يكن معتمدا، آنذاك، على سند قانوني، باستثناء طلب وزارة الصحة استشارة الجهاز في الصفقة. صلاحيات مع إيقاف التنفيذ بحسب ما يقول مصدر حكومي قريب من ملف المنافسة والاحتكار ل«الوطن» فإن القانون بوضعه الحالي يجعل جهاز حماية المنافسة »مكبل اليدين» تجاه طفرة الاستحواذات التي شهدتها الأسواق العام الحالي. ويوضح المصدر أن التعديلات التي أقرها مجلس الوزراء قبل عام كانت ستمنح الجهاز قوة قانونية تُمكّنه من الرقابة المسبقة على أي صفقة في هذا السياق. اقرأ أيضا: اقتصادية النواب تناقش تعديل «قانون الاحتكار» الخميس ووفقا للمصدر - الذي فضل عدم الكشف عن اسمه - فإن مساهمات الجهاز وتدخلاته في صفقات الاستحواذ أو الاندماج السابقة كانت تتم بشكل تطوعي، واستشاري، مثلما حدث في صفقة اندماج «أوبر وكريم»، وصفقة «ألاميدا كليوباترا»، وحتى صفقة استحواذ شركة «ثري إم كايرو» على «النشا والجلوكوز». وأضاف المصدر: لا نعلم سبب عدم إقرار التعديلات حتى الآن، لكن وجودها سيمثل فارقا في السوق المصرية، لصالح مناخ المنافسة والشركات، وقبل ذلك المستهلك المصري، واختتم المصدر قائلا: «هناك فارق بين الوضع المسيطر، أو زيادة الحصة السوقية، إساءة استخدام هذا الوضع للإضرار بالآخرين.. القانون لا يقف ضد توسع الكيانات، لكنه يُجرّم أي ممارسة ضارة تحدث عبر التوسع، وهو الهدف الأساسي للمطالبة بالإسراع في إقرار التعديلات القانونية المطلوبة».