ما زالت أزمة الوقود واحدة من أهم وأكثر الأزمات تأثيراً فى الشارع المصرى، نظرا لما يعانيه المواطن بسبب نقصها، وذلك رغم وعود الرئيس محمد مرسى منذ 100 يوم بحلها، خلال هذه الفترة، مع عدد من الملفات الأخرى، وهى الخبز والقمامة والمرور والأمن. فالأزمة تتفاقم أكثر وأكثر، حتى مع تلويح الحكومة بعزمها على تبنى سياسات لرفع الدعم عن السلع الاستراتيجية، ومن بينها الوقود. ومع تزايد حدة الأزمة، يكون البحث عن حلول لها أمرا ملحّا، لما تتسبب فيه أزمات الوقود المتتابعة من تأثيرات على كل مؤسسات الدولة، المتمثلة فى القطاع العام، فضلاً عن تأثير الأزمة على القطاع الخاص. «الوطن» حاورت الخبير البترولى الدكتور إبراهيم زهران، مساهمة منها فى وضع حلول لأزمة الوقود المشتعلة، ولتوضيح أهم أبعاد المشكلة التى تعانى منها منظومة الوقود. ■ تتناقص كميات الوقود المطروحة فى السوق المصرية شيئاً فشيئاً.. فما أسباب ذلك التناقص؟ - الشارع المصرى يعانى الأزمة بشكل واضح، ليس خلال هذه الأيام فحسب وإنما منذ عام 2005، مع توقيع اتفاقية تصدير الغاز المصرى لإسرائيل وبعض الدول العربية، ومنذ ذلك الحين ظهر التفاوت بشدة بين الإنتاج المحلى من الوقود واستهلاك الشارع، لأن الحكومة رغم ادعاءاتها أن إنتاجها من الوقود يكفى الاستهلاك المحلى، ومنذ ذلك الحين بدأت الحكومة مضطرة استيراد المازوت لتشغيل محطات الكهرباء. إنتاج مصر قبل عام 2005 من الزيت الخام بلغ 950 ألف برميل فى اليوم، كانت تستفيد منها السوق المحلية، مع حساب ما يحصل عليه الشريك الأجنبى (الشركات المتعاقدة مع الحكومة المصرية للتنقيب عن البترول واستخراجه)، وتراجع هذا الرقم بعد التزامات الحكومة بتصدير الغاز، حيث انخفضت إنتاجية مصر فى اليوم الواحد من الزيت الخام إلى 530 ألف برميل فقط، أى بنقص فى الإنتاج يقترب من النصف. فالحكومة المصرية تستورد سنوياً نحو 90 مليون برميل بنزين من الشريك الأجنبى، كاستيراد داخلى، أى ما يوازى مليونا ونصف المليون طن فى السنة، كما تستورد من 7.5 إلى 8 ملايين طن من السولار سنوياً، فضلاً عن كميات المازوت الذى تستورده الحكومة لسد حاجة محطات الكهرباء. ومع الأخذ فى الاعتبار أن وزارة البترول تحصل من الحكومة شهرياً على 60 مليون دولار للوفاء بحاجة السوق من الوقود، فأين تذهب هذه الملايين ما دامت الأزمة تتزايد؟! ■ تشير الحكومة من وقت لآخر إلى رفع الدعم عن الوقود.. فهل ترى أن هذه الخطوة ستحل أزمة الطاقة؟ - قبل البحث فى جدوى رفع الدعم عن الوقود من عدمه، لا بد أن نسأل أولاً ما الدعم أصلاً؟ هل تقصد الحكومة بالدعم أنه الفرق بين السعر العالمى للسلعة وسعرها المحلى، أو أنها تقصد به الفرق بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع؟ سأعطى مثالاً على ذلك، بنزين 95 فى البورصة بإيطاليا يصل سعر الطن منه، أى ما يعادل سعة 1200 لتر، إلى 600 دولار، وهذا يعنى أن سعر اللتر الواحد منه فى إيطاليا يساوى نصف دولار، ما يساوى ثلاثة جنيهات مصرية، ونفس اللتر من بنزين 95 فى السوق المصرية ثمنه جنيهان و85 قرشاً، فهل الدعم الذى تصدع الحكومة رؤوسنا به هو ال15 قرشا؟ فليرفعوه إذن. حتى لا يحيط ذلك المصطلح هالة من الغموض، كما ينبغى لها أن تعيد النظر فى مستحقى الدعم. ومن بين ما يثبت أن الدعم فى مصر «وهم» ملف الطاقة، خصوصاً الكهرباء، حيث إن الألف كيلووات من الكهرباء قبل الزيادات خلال الشهر الأخير كان حسابه 220 جنيها، رغم أن سعره فى الولاياتالمتحدة 30 دولارا، أى 180 جنيها، ولا يوجد فى الولاياتالمتحدة ما يسمى بالدعم، فأين المسئولون من تلك الأرقام؟ وأين الدعم الذى تدعيه الحكومة؟! والغاز يصدر بمبالغ أقل بكثير من سعره العالمى، وبأقل بكثير من الاستفادة التى يمكن تحقيقها إذا ما بقى فى السوق المحلية أو بِيع بسعر أعلى. فلا بد من التوجه للاكتفاء الذاتى أولاً. ■ تطالعنا الصحف يومياً بأخبار تهريب مئات الأطنان من الوقود.. فهل يمكن أن تحقق الرقابة الاكتفاء للسوق المحلية؟ - تشديد الرقابة على السوق السوداء للسلع الاستراتيجية سيسهم بكل تأكيد فى سد جزء من حاجة السوق، لكن عندما يتعلق التهريب بتسيب وانفلات فى الأجهزة الرقابية للدولة، وأقصد الرقابة على منظومة الوقود بالكامل، وليس فقط على منظومة توزيع الوقود بالسوق، فإن الأمر يحتاج إلى مزيد من الرقابة الشديدة، فحين تخرج «تريلة» من السويس وتصل إلى المعابر قاطعة شبه جزيرة سيناء، فالأمر لا يمكن إلقاؤه بالكامل على موظف فحسب، وإنما على النظام بأسره. ■ الرئيس وعد بشكل قاطع فى برنامجه الانتخابى بحل أزمة الوقود خلال ال100 يوم الأولى من رئاسته، لكنه لم يفلح.. فما الحلول لديك؟ - كان من المفترض أن تركز الحكومة على استغلال ما تنتجه من مادة «النافطة»، وهذه المادة يمكن تحويلها إلى بنزين، لكنها تصدر بالكامل على شكل مادة خام، وبعد ذلك يحدث عجز فى السوق من البنزين والسلع البترولية التى يمكن استخراجها واشتقاقها من «النافطة»، وتضطر الحكومة لاحقاً إلى استيراد البنزين، فيمكن تحويل هذه المادة إلى بنزين، أو اشتقاق البنزين من خلال ماكينة ال«ريفورمر»، قلت فى السابق إن وزارة البترول تحصل على 60 مليون دولار شهرياً لسد حاجة السوق، ورغم هذا لا تحقق ذلك، وهذه المادة التى تحول «النافطة» الخام إلى بنزين، ثمنها 40 مليون دولار، وهو ما يساوى ثمن سفينة واحدة من البنزين من التى تستوردها الحكومة. وعلاج الأزمة، أقصد العلاج الجذرى، يكمن فى الاهتمام بالإنتاج عن الاستيراد، وباستغلال المواد البترولية إلى جانب الاهتمام بكيفيات توزيعها بالعدل على المحافظات. فمصر فى حاجة إلى 3 ماكينات «ريفورمر»› فقط؛ واحدة فى أسيوط والثانية فى شركة النصر فى السويس والماكينة الثالثة فى الإسكندرية، ولا شك أن هذه الماكينات ستسهم كثيراً فى حل أزمة البنزين، نكتفى من البنزين وسنبدأ فى التصدير. ■ ما حقيقة اعتماد غرفة العمليات بالهيئة العامة للبترول على البيانات التى تصدرها جماعة الإخوان المسلمين بشأن احتياجات كل محافظة من البنزين والسولار؟ - حتى لو كان ذلك حقيقياً، ف40% من الوقود المصرى يضخ فى القاهرة، التى تستأثر بنصيب كبير من الوقود، ولذا فإنها غير ذات جدوى. وفى المقابل على الحكومة أن تنشط أكثر فى الأقاليم، وأن تضع تقارير أكثر صدقاً، وأقل تضليلاً توضح بالضبط احتياجات كل محافظة من الوقود، وأن تذعن الحكومة فيما بعد لهذه التقارير، وأن تعيد توزيع الكعكة البترولية بما يضمن ارتفاع مؤشرات التنمية فى محافظات الأقاليم. أما الاعتماد على تقارير الجماعة ذلك يعنى قصوراً لدى الحكومة فى أداء دورها المنوطة بتنفيذه. ■ أشرت إلى أن الخلل فى منظومة الوقود إنتاجاً واستغلالاً وتوزيعاً.. فما الأسباب الحقيقية لفساد منظومة توزيع البنزين والسولار بالتحديد؟ - أزمة الوقود متداخلة بشكل كبير، وأزمة التوزيع على وجه الخصوص ناجمة عن قلة الإنتاج، وسوء إدارة المنظومة، وفسادها، وإغفال الدور الرقابى، إذ إنه من المفترض توزيع 38 ألف طن يومياً، بينما لا يوزع أكثر من 6 آلاف طن فقط، وهذا النقص فى الإنتاج، وفى الكمية التى تضخ فى السوق، سبب أساسى فى عودة عمل مافيا السوق السوداء. ■ هل تتوقع نجاح الحكومة فى جذب استثمارات جديدة فى ظل غياب الخدمات الأساسية مثل المواد البترولية؟ - فى البداية أود أن أنوه إلى أن الاستثمارات تراجعت خلال السنوات ال10 الأخيرة، وليس خلال العامين الأخيرين فقط كما يروج كثيرون، خصوصاً أن حكومة نظيف عموماً، ووزارة البترول أيام سامح فهمى، لم يجلبا إلى السوق المصرية إلا مستثمرى غسيل الأموال. ■ رفضت البنوك مؤخراً إقراض الحكومة لاستيراد شحنات بترولية جديدة.. فماذا يفعل مسئولو البترول إذا أرادوا سد عجز السوق؟ - طبيعى أن تمتنع البنوك أو تتراجع عن إقراض الحكومة، لعدم وجود ضامن للسداد، وقد سافر وزير البترول إلى قطر لاستيراد 500 مليون قدم من الغاز، ثم عاد إلى القاهرة يؤكد أن مصر لديها من الغاز ما يكفى حاجة السوق المحلية لثلاثين سنة مقبلة، هذه أنيميا فى الشفافية، والمريض لا يشفى إلا باعترافه أولاً بمرضه، وطلب العلاج. ولا بد أن تلغى الحكومة تصدير الغاز، حتى تتمكن من استخدامه بديلاً لبقية المواد البترولية، وأن تعيد النظر فى الاتفاقات الثنائية مع الدول الخارجية التزاماً بقرار المحكمة فى فبراير 2010.. ■ هل حل أزمة الوقود فى مصر من خلال إصدار سندات دولارية أو بالعملة المحلية؟ - لابد أن تعيد الحكومة النظر فى الدعم للمصانع المعسرة من باب أولى فمصانع السماد تشترى الوقود المدعم ب 30 دولاراً وتبيع طن السماد ب 650 دولاراً.