يخطئ من يظن أن المواجهة التى يخوضها الجيش المصرى فى سيناء مواجهة عادية تسمح لأى منصف أن يقيّم على أساسها أداءه أو يحكم على قدراته. فالاختبار الحقيقى للجيش المصرى لا بد أن يكون فى مواجهة نظامية، وليس مع عصابات تتخفّى وتتحين الفرص ثم تضرب وتجرى. وفى تقديرى أن نجاح الجيش فى القضاء على الإرهاب يرتبط بالتعامل مع هذه الحالة «الشبحية» بما يليق بها من تكتيكات وأساليب تحرك ومباغتة، ولا بأس من الاستفادة من الطريقة التى يتحرك بها العدو فى مثل هذه الحالات. من تحليل العمليات التى قام بها الإرهابيون فى سيناء يتضح أن هناك مجموعة من السمات التى تحكم أسلوب تحركهم، أولها أن لديهم جهازاً جيداً لجمع المعلومات، بل والمراوغة بالمعلومات على قواتنا. وقد تعلموا ذلك من أسلوب عمل الأجهزة المصرية التى تصدّت فيما مضى للأعمال الإرهابية، حين كانت تعتمد على آليات ناجحة فى جمع المعلومات عن تحركات هذه الجماعات. السمة الثانية لهذه الجماعات أنها تتحرك دائماً فى صورة مجموعات عنقودية صغيرة، على سبيل المثال عملية «كرم القواديس» شارك فيها، تبعاً لما تناقلته بعض المصادر والخبراء العسكريين، مجموعات صغيرة تحركت فى شكل الموجات المتتابعة، وتواجه كل منها مع عدد من الجنود والضباط يزيد عليها فى العدد، وهو ما ينقلنا إلى السمة الثالثة التى تتمثل فى خفة الحركة، وهى ترتبط بالتدريبات العالية التى نالها الإرهابيون فى مواجهة مجندين، وتنفيذ العملية على مرحلتين يؤشر إلى سمة رابعة تتمثل فى القدرة على التخفى والمباغتة، فقد هاجمت المجموعة الإرهابية الكمين بسيارة مفخخة وقذائف صاروخية فى المرحلة الأولى، ثم اختفت لمدة 15 دقيقة لتظهر من جديد (هى أو مجموعة أخرى) عندما دخل مسرح العمليات سيارات الإسعاف والقوات التى تحركت لإخلاء الشهداء والمصابين، فبدأت هجوماً جديداً. لست متخصصاً بالطبع فى هذا النوع من المسائل، لكن العقل يقول إن من الحكمة أن تتعامل مع عدوك بنفس أدواته، وبالتالى فقد يكون من المفيد أن تتخلى قواتنا المسلحة عن الأساليب النظامية التى تعودت عليها لأنها بصدد مواجهة عصابات. ربما كانت فكرة الكمائن المكشوفة أو النقاط الثابتة فى حاجة إلى مراجعة، ربما كانت أيضاً الكثرة العددية التى تتحرك بها القوات غير مفيدة، قد يكون التحرك بشكل خفى فى مجموعات صغيرة مدربة تدريباً عالياً أكثر جدوى وقيمة، كذلك الاعتماد على عنصر التكتم والمفاجأة كما تفعل هذه العصابات قد يكون مفيداً فى هذا السياق. وعلينا أن نستذكر باستمرار قاعدة أن الأمن الناجح هو الأمن «غير المحسوس». أفهم بالطبع أن من يعملون فى مسرح العمليات أوعى منى بكثير وأكثر فهماً واستيعاباً لأبعاد المواجهة وكيفيتها، وأثق أن لديهم تكتيكات أفضل بكثير مما أقترح، المهم فى كل الأحوال أن يتفهموا حقيقة أن الأساليب التقليدية فى المواجهة لم تثبت النجاح المرجوّ خلال الشهور الماضية، والعقل يقول إن من الخير للإنسان إذا سار فى طريق معين ووجده مسدوداً أن يسعى نحو السير فى طريق غيره.. لا بد من تغيير العتبة!