استكمالاً لاستراتيجيات تطويق مصر، الدولة الإقليمية المصرية الصاعدة لمكانتها الجيواستراتيجية فى الوطن العربى والشرق الأوسط، اتفقت قوى الإسلام السياسى من إخوان وسلفيين جهاديين وتكفيريين وجماعات دينية والفرق الوهابية والأصولية على تكفير المجتمع المصرى بعد أن قامت -منذ سنتين- بتكفير مؤسسات الدولة باعتبارها تشكل الدولة العميقة المناوئة لتغيير الهوية المصرية الراسخة منذ آلاف السنين.. مؤدى ذلك أن محاولات إجهاد الدولة، التى استمرت لأكثر من عام، لم تفلح فى كسر شوكتها؛ فإنه من الضرورى أن تتوافق وتتزامن خططها مع الخطط الغربية والأمريكية الرامية إلى إعادة احتلال الوطن العربى، وذلك بتأهيل الخلايا النائمة وتدريبها وتنظيمها للانقضاض على كل من المجتمع والدولة، ومما صَعّد من هذا الاتجاه تطوران أثارا الغضب لدى قيادات قوى الإسلام السياسى؛ تمثل الأول فى نجاح الدولة فى تحقيق مشاركة مصرية فاعلة فى مشروع قناة السويس الجديدة، والذى يضيف إلى تكريس شرعية النظام السياسى الجديد بعد إقرار دستور 2014 وانتخابات الرئاسة 2014، والثانى هو عودة مصر التامة إلى النظام العالمى من خلال نجاح مشاركة السيسى فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ولقاءاته، هذا فضلاً عن التقرب الأمريكى من مصر، سواء بزيارات وزير الخارجية كيرى أو المنسق الأمريكى للتحالف الدولى ضد داعش أو وزير المالية الأمريكى لمصر، وارتباط ذلك ببدء مرحلة جديدة فى العلاقات المصرية لكل من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى. تتناقض هذه التطورات جذرياً مع إيمان قوى الإسلام السياسى فى مصر والوطن العربى بضرورة إنشاء كيانات دينية تتخطى الدور السياسى للدول فى المنطقة، وهكذا، ومنذ عام 2012، بدأت تلك القوى فى الدفع بأعضائها والمتعاطفين معها إلى السفر إلى سوريا بحجة إسقاط نظام الأسد وإقامة الكيان الإسلامى الجديد من هناك، وقد لقى ذلك مساندة وتأييد دول حلف الناتو، وخصوصاً تركيا، والولايات المتحدة، وذلك بخلق «داعش» فى سوريا والعراق توطئة لإعادة إنتاجها فى مصر، ولقد ساقنى حظى الأسبوع الماضى إلى الاستماع إلى حازم أبوإسماعيل فى تسجيلات قديمة له أثناء دروسه الدينية فى مسجد أسد بن الفرات، على مرأى ومسمع من نظام مبارك، لا يتحدث فيها إلا عن الجهاد والشهادة، وهى دعوة صريحة لتكفير المجتمع والانقضاض عليه، ألا تذكرون عشرات الآلاف من أنصاره الذين رافقوه إلى مصر الجديدة أثناء تقدمه للترشح للرئاسة بأوراق مزورة؟ ألا تذكرون مجموعات «لازم حازم»؟ ألا تذكرون الآلاف الذين حاصروا مدينة الإنتاج الإعلامى وغيرهم من أنصاره وأتباعه الذين اعتدوا على الصحف والمواطنين فى أحياء عديدة؟ لماذا لم يسأل أحد أين هؤلاء؟ ولماذا لم يسأل أحد أين آلاف الإخوان الذين كانوا يملأون الشوارع كل يوم جمعة وكل مناسبة؟ وأين السلفيون الذين كانوا يساندونهم كتفاً بكتف؟ هل اختفى هؤلاء جميعاً لأنه تم تجفيف منابع التمويل كما يتم الترويج لذلك؟ طبعاً لا؛ فهناك مصادر تمويل داخلية لا حدود لها، ألا ترون سلاسل المحلات التجارية الكبرى التابعة لقوى الإسلام السياسى فى كل مدن وأحياء مصر؟ إذاً، لا بد أن هناك سبباً آخر لهذا الاختفاء أو البيات الواضح لتلك القوى. تشير الأنباء إلى اتفاق تلك القوى على الإعداد والاستعداد للانقضاض على كل من الدولة والمجتمع فى الوقت المناسب، إذ تشكل جميعاً خلايا نائمة -على رأى جورج بوش الرئيس الأمريكى السابق- يتم تغذيتها وتدريبها وتعبئتها وتنظيمها إلى الوقت الموعود، والذى يتحدد فى توقيت رئيسى وتوقيت بديل؛ الأول يوم الانتخابات البرلمانية المقبلة، لأن البرلمان يشكل آخر استحقاق ديمقراطى حددته خارطة الطريق، والثانى إعدام الرئيس الأسبق محمد مرسى أو المرشد محمد بديع، علينا أن نؤكد أن مسألة خلايا داعش النائمة فى مصر تمثل استراتيجية جديدة تضم كلاً من الأعضاء والمتعاطفين مع قوى الإسلام السياسى، وتشمل عناصرها كافة الطبقات الاجتماعية، وهى بذلك تتغلغل فى جنبات المجتمع وكيان الدولة ومؤسساتها، إذ خلال عام حكم الإخوان الثيولوجى الإقصائى تم اختراق أجهزة الدولة بعناصر قد تكون قيادية فى تلك القوى، ويدخل ضمن استراتيجية الانقضاض على كل من الدولة والمجتمع ما يحدث فى سيناء ضد قوات الجيش والشرطة، والتى لا تهدف فقط إلى إجهاد الدولة، ولكن أيضاً إلى اكتساب خبرة على مستويات محدودة جغرافياً وتنظيمياً بهدف تطوير ذاتها فى المواجهات الحاسمة على المستوى الجغرافى الأوسع، وسوف تشهد المرحلة المقبلة من المواجهة فى سيناء دخول عناصر إقليمية مساندة ومتحالفة مع القوى الإرهابية المتطرفة. إن الهدوء النسبى فى الشارع المصرى من العناصر الإرهابية يعنى أن خلايا داعش النائمة لم تتخلّ عن عدائها للدولة والمجتمع فى مصر، ولكنها تقوم ببناء وإعداد عناصرها استعداداً للمواجهة العنيفة مع المصريين، ولا شك أن ذلك يستلزم تطوير خطط المواجهة من التفجير إلى التنظيف أى الحصار والتطويق والاجتثاث، ويتطلب كذلك الرصد والترصد تمهيداً للتطهير، ويفرض على الدولة التعاون مع وزير الأوقاف فى تمصير المساجد والزوايا والجمعيات الشرعية اليوم قبل الغد، وقد يكون من الحكمة مضاعفة عدد قوات الأمن المصرية وإعادة تأهيلها وتنظيمها وتسليحها واتخاذ كل الإجراءات الضرورية لرفع معنوياتها، والتفكير جدياً فى إنشاء قوات جديدة تماماً تجمع بين القدرات العسكرية والمرونة التكتيكية بالإضافة إلى عمق الحس الأمنى، وفضلاً عن ذلك؛ فإن المواجهة المتوقعة تقتضى شحذ همم الشباب المصرى ضد قوى الإرهاب الداخلية والخارجية وتجنيب المصريين إرهاب التطرف الدينى، كما تبديه قوى الإسلام السياسى الداعشية.