تطوران مهمان شهدهما عالم تكنولوجيا المعلومات الأسبوع الماضى، الأول اتخاذ شركة إتش بى، إحدى أكبر شركات تكنولوجيا المعلومات بالعالم، قراراً صعباً ومعقداً بتقسيم نفسها إلى شركتين بدلاً شركة واحدة، وهى الشركة التى اعتادت طوال السنوات الماضية ابتلاع شركات كبرى وعملاقة وهضمها وطمس شخصيتها داخل هوية «إتش بى» الفضفاضة، مثلما حدث مع شركة كومباك التى لم يعد لها أثر سوى علامة تجارية على بعض منتجات «إتش بى»، والتطور الثانى إعلان شركتا أدوبى ومايكروسوفت عن تحالف يبث البرودة فى العلاقات التاريخية «الحميمة» بين أدوبى وأبل، ويبث الدفء فى العلاقات التاريخية «الباردة» بين مايكروسوفت وأدوبى. وسط هذه التقلبات العارمة فى صناعة تكنولوجيا المعلومات يبرز سبب مشترك يمكن التفتيش عنه وضبطه متلبساً بدفع الأمور على هذا النحو، ألا وهو التليفونات الذكية والحاسبات اللوحية وغيرهما من الأجهزة التى تعمل «باللمس بأطراف الأصابع» أثناء التنقل، التى باتت تدفع الجميع إلى اللهاث والجرى، سعياً للخروج من حقبة الحاسبات الشخصية، إلى حقبة الأدوات اليدوية الذكية. قرار «إتش بى» قضى بأن تتحول إلى شركتين، الأولى لخدمات تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات والحاسبات الخادمة المخصصة للمؤسسات، والثانية مخصصة للحاسبات الشخصية والطابعات، وحمل البيان الخاص بالإعلان عن القرار ما يكشف عن دور واضح للأجهزة اليدوية المحمولة، فقد أشار البيان إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لإنشاء شركة للحاسبات الشخصية هو الاستثمار فى الأسواق الصاعدة. لم تكن أوضاع «إتش بى» تجاه منافسيها ببعيدة عما فعلته الأدوات المحمولة، فعلى الرغم من أن «إتش بى» تعد واحداً من اللاعبين الأساسيين الكبار فى سوق المستهلكين والمؤسسات فإنها تراجعت للمرتبة الثانية فى مبيعات الحاسبات الشخصية بعد لينوفو الصينية التى أعادت صياغة استراتيجيتها لتركز على الأجهزة اليدوية المحمولة بصورة واضحة، والتقسيم إلى شركتين رآه البعض خطوة سريعة من «إتش بى» للتركيز على استعادة القمة فى سوق الحاسبات الشخصية والمحمولة من «لينوفو». ومن جانبها استشعرت «لينوفو» هذا الأمر وأصدرت تعليقاً أشارت فيه إلى أنها مستمرة فى الحصول على المزيد من الحصص فى سوق الحاسبات الشخصية البالغة 200 مليار دولار. «أدوبى ومايكروسوفت»: من البرودة للدفء فى تطور آخر دفعت الأجهزة المحمولة والحاسبات اللوحية العلاقة بين كل من شركة أدوبى المتخصصة فى إنتاج برامج الصور والرسومات والفيديو إلى إحداث تغيير نوعى فى علاقتها بين الغريمين الكبيرين المتنافسين منذ عدة عقود وهما «مايكروسوفت» منتجة ويندوز وأوفيس، و«أبل» منتجة ماكنتوش وبرمجيات النشر المكتبى والصحفى، فتاريخياً ولعقود طويلة.. ظلت العلاقة بين أدوبى وأبل تتسم بالحميمية والدفء والعمق، فيما كانت تمضى علاقتها بمايكروسوفت باردة سطحية فى معظم الأحيان، لكن المحمول والتابلت جاءا «ليبردا» الدافئ، و«يسخنا» البارد. فخلال مؤتمرها السنوى الضخم الذى عقد الأسبوع الماضى وقف الرئيس التنفيذى لأدوبى جنباً إلى جنب مع الرئيس التنفيذى لمايكروسوفت، للإعلان عن تحالف استراتيجى بين الشركتين، ينقل منتجات أدوبى المعقدة والمركبة، لتعمل بلمسات أطراف الأصابع عبر شاشات حاسبات لوحية تشغلها نظم تشغيل ويندوز وليس ماك كما هو معتاد أو متوقع دائماً. الدلالة التى تحملها هذه الخطوة أن التليفونات الذكية والحاسبات اللوحية ضغطت على الشركتين معاً ودفعتهما إلى الخروج من الشرنقة التاريخية التى عاش فيها كليهما طوال حقبة الحاسبات المكتبية والمحمولة كبيرة الحجم صعبة الحركة، المعتمدة على نظم ويندوز التقليدية، وبرمجيات أدوبى ثقيلة الحركة، صعبة التنقل التى عشقت حركة الماوس ولوحة المفاتيح بعيداً عن تكنولوجيا اللمس، ثم جاء المحمول والحاسبات اللوحية وجعلت مايكروسوفت مضطرة لأن تقدم لمستخدمى الحاسبات اليدوية واللوحية كل ما تعودوا عليه فى الحاسبات المكتبية من تطبيقات وبرمجيات، حتى ولو كانت من الوزن الثقيل على شاكلة برمجيات أدوبى، وفى المقابل فإن أدوبى باتت مضطرة لأن تقدم برمجياتها لمستخدمى الحاسبات اليدوية حتى لا تخسر هذا القطاع العريض السريع النمو، وهنا كان لا بد أن تدخل عالم «العمل باللمس» عبر الشاشات، وكلا الأمرين أصبح حيوياً وضرورياً للشركتين من أجل العائدات والأرباح، ومن ثم تجسد فى نهاية المطاف باتفاق «لتسخين» العلاقة فيما بينهما.