فالكون 50.. هذا ما نعرفه عن طائرة الحداد المنكوبة    كوت ديفوار تستهل رحلة الدفاع عن لقب أمم أفريقيا بمواجهة موزمبيق    اليوم.. نظر محاكمة 53 متهمًا فى قضية "خلية القطامية"    بهدف تعطيل المرحلة الثانية…بدء الإعمار داخل الخط الأصفر ورقة ضغط صهيونية على حركة حماس    انخفاض مؤقت وسريع في سعر الطماطم.. الحق اشتري    الليلة تدق الأجراس، قصة الاحتفال بعيد ميلاد المسيح ومتى احتفل به لأول مرة؟    مصرع 2 وإصابة 6 آخرين فى حادث سير ببنى سويف    سقوط الغرب وصعود الشرق، تنبؤات نوستراداموس لعام 2026 بعد فك شيفرة "السرب العظيم من النحل"    طقس اليوم: مائل للدفء نهارا شديد البرودة ليلا.. والكبرى بالقاهرة 21    الصين وروسيا تتهمان الولايات المتحدة بممارسة التنمر وسلوك رعاة البقر ضد فنزويلا    زفاف جيجي حديد وبرادلي كوبر في 2026    تنسيق مصري إماراتي لإطلاق برامج شبابية مشتركة وماراثون زايد الخيري في مصر    8.46 مليار مشاهدة في أسبوع، رقم قياسي جديد لمسلسل Stranger Things 5    بعد زحام الركاب، بيان هام من هيئة سكك حديد مصر بشأن منظومة حجز تذاكر القطارات    شقيقة ميسي تتعرض لحادث سير خطير في الولايات المتحدة    أمريكا تحظر دخول 5 أشخاص بينهم قيادات ألمانية لمكافحة الإساءة عبر الإنترنت    اليوم، نظر استئناف النيابة على براءة سوزي الأردنية من التعدي على القيم الأسرية    التعليم العالي: نعمل مع اليونسكو للاعتراف المتبادل بالشهادات المصرية دوليًا    «شباب بلد» بوابة جديدة لتمكين الشباب المصري بالتعاون مع الأمم المتحدة    قناة ON تستعد لعرض مسلسل «قسمة العدل»    كنت شاهدا، سام مرسي يرد على تقرير مثير ل "ذا أتليتيك" حول تحكم صلاح في منتخب مصر    كفتة العدس بالشوفان في الفرن، بروتين نباتي صحي بدون دهون    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 24 ديسمبر    عودة مسرحية "نور فى عالم البحور" إلى خشبة المسرح القومي للأطفال    بطولة ياسمين رئيس وأحمد فهمي.. نهى صالح تنضم لمسلسل «اسأل روحك»    يعرض 7 يناير.. نيللى كريم وشريف سلامة يتصدران بوستر «جوازة ولا جنازة»    إيران تنتقد الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة لعدم التزامهم بالاتفاق النووي    تركيا: طائرة «الحداد» طلبت هبوطًا اضطراريًا بسبب عطل كهربائي    فيديو | «ربنا كتبلي عمر جديد».. ناجية من عقار إمبابة المنهار تروي لحظات الرعب    الصحة: نجاح عملية استبدال صمام قلب لمسن فوق 90 عاما بمبرة مصر القديمة    ب"احتفالية ومعرض".. تعليم الأقصر تحيي فعاليات اليوم العالمي لذوي الهمم| صور    وزير التعليم: البكالوريا شبيهة بالنظم العالمية.. وستقلل من الدروس الخصوصية    أخبار × 24 ساعة.. بعثة صندوق النقد: الاقتصاد المصرى حقق مؤشرات نمو قوية    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    حسين الشحات يتحدث بعد ارتداء شارة قيادة الأهلي لأول مرة    موعد مباريات اليوم الأربعاء 24 ديسمبر 2025.. إنفوجراف    بمساحة 177 فدانًا.. الزمالك يحصل على أرض بديلة قرب القرية الذكية    ويتكر: المفاوضات حول أوكرانيا تبحث أربع وثائق ختامية رئيسية    الجيش الأردني يخوض اشتباكات مع عصابات تهريب على الحدود السورية    رئيس شعبة المصورين: ما حدث في جنازة سمية الألفي إساءة إنسانية    البياضية والزينية تتألقان باحتفالين جماهيريين في عيد الأقصر القومي (صور)    إغلاق الأسهم الأمريكية عند مستوى قياسي جديد    د. القس رفعت فتحي يكتب: المسيحية الصهيونية.. موقف الكنيسة المشيخية    فايزر تحقق في حادث خلال تجربة علاج جديد لمرضى سيولة الدم    بشرى ل 7 محافظات، الصحة تحدد موعد التشغيل التجريبي للمرحلة الثانية من التأمين الصحي الشامل    تفاصيل فوز مصر بمعقد في الجمعية العامة للمنظمة البحرية الدولية.. فيديو    وزارة العمل: قانون العمل الجديد يضمن حقوق العمال حتى بعد الإغلاق أو التصفية    دفنوه في أحضان أمه، أهالي معصرة صاوي بالفيوم يشيعون جثمان الضحية الثامنة لحادث الطريق الإقليمي    خالد مرتجي: نبحث تطوير كرة القدم داخل الملعب وخارجه    أبرز تصريحات وزير التعليم عن اهتمام القيادة السياسية بالملف التعليمي    "الوطنية للانتخابات": بدء تصويت المصريين بالخارج بجولة الإعادة في 19 دائرة انتخابية    هل يجوز قضاء الصلوات الفائتة بأكثر من يوم باليوم الواحد؟.. أمين الفتوى يجيب    هل أكل لحم الإبل ينقض الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    "القومي للبحوث" يحصد المركز الأول فى مؤشر سيماجو للمراكز والمعاهد البحثية 2025    نحو منظومة صحية آمنة.. "اعتماد الرقابة الصحية" تُقر معايير وطنية لبنوك الدم    ما هو مقام المراقبة؟.. خالد الجندي يشرح طريق السالكين إلى الله    البحوث الفلكية تكشف موعد ميلاد شهر شعبان وأول أيامه فلكيا    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الوطن» تنشر مذكرات مدير المخابرات الأمريكية عن «مبارك» و«طنطاوى»
لم نكن نملك معلومات كافية عن المتظاهرين لأننا اعتمدنا على «مخابرات الدولة» لفهم ما يجرى
نشر في الوطن يوم 16 - 10 - 2014

منذ أيام قليلة صدرت مذكرات «ليون بانيتا»، مدير المخابرات المركزية الأمريكية السابق فى الفترة التى اندلعت فيها ثورة يناير، والذى تولى فيما بعد منصب وزير الدفاع الأمريكى فى فترة حكم المجلس العسكرى الانتقالية، منذ أبريل 2011. لا يصرّح «بانيتا» بالكثير مما يعرف عن فترة عمله. ما زال يحمل فى داخله عقلية «رجل المخابرات» التى تكتم بأكثر مما تفصح، ولا تُظهر إلا أقل القليل مما تملكه من معلومات وأسرار، إلا أن «دقة» المناصب التى تولاها الرجل، و«حساسية» الفترة التى تولى فيها هذه المناصب بالنسبة لنا فى مصر، تجعلان «أقل القليل» من كلماته بالنسبة لنا أمراً يستحق التوقف أمامه، كأننا نختلس ولو نظرة خاطفة إلى عقل المخابرات الأمريكية الأول فى تحليله لما كان يجرى فى القاهرة.
«بانيتا»، فى مذكراته التى صدرت فى كتاب حمل عنوان «معارك تستحق»، كان يحكى عن فصول كثيرة من حياته ومعاركه التى رأى أنها كانت جديرة بخوضها. لكنه، على غير المعتاد من باقى مذكرات رجال الإدارة الأمريكية حول ثورة يناير، لا يُغرق فى الحديث عن «رؤيته وفطنته وتحذيراته التى تتوقع ما سوف يحدث فى مصر دون أن يستمع إليه أحد». يكتفى «بانيتا» بالقول إنه «قام بعمله»، إنه حذر من «الضغوط» التى يمكن أن تؤدى لثورة فى مصر، لكنه لم يتوقع السرعة التى حدثت بها. هذه هى شهادة «ليون بانيتا»، أقصى ما أمكنه الإفصاح عنه بحكم طبيعته ومنصبه عن قادة مصر الذين عاصرهم، وإن كانت الأيام ستكشف حتماً فى المستقبل عن أكثر وأخطر مما قال بكثير.
يعتبر مدير المخابرات الأمريكية الأسبق «ليون بانيتا» أن بداية الثورة الحقيقية فى مصر كانت مع انفجار كنيسة القديسين، الذى أشعل التوترات الطائفية بين المسلمين والأقباط. ويقول: فى يناير 2011، حدث انفجار كنيسة القديسين القبطية فى مصر، أدى هذا التفجير إلى مصرع ما يقرب من 20 شخصاً، وإلى إطلاق اضطرابات ودخول المسلمين والمسيحيين فى حالة من الصراع. وتعهد الرئيس (الأسبق) حسنى مبارك ب«قطع يد الإرهابيين» وانحدرت مصر إلى حالة من العنف السياسى والطائفى، ولم يمر وقت طويل بعدها قبل أن يندفع المحتجون إلى شوارع ليبيا والجزائر، وبدا أن «الربيع العربى» فى طريقه إلى النور.
ويصف «بانيتا» ثورات «الربيع العربى»، كما عرفت فيما بعد، بأنها «اضطرابات امتدت لجزء كبير من العالم العربى منذ نهايات عام 2010، كانت بشكل ما تمثل نجاحاً للمخابرات الأمريكية، وتعبر عن فشلها من زاوية أخرى فى نفس الوقت. الواقع أنه لسنوات طويلة، ظل المحللون فى المخابرات المركزية الأمريكية يحذرون من تراكم الضغوط التى يمكن أن تؤدى لانفجار فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة مع ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، وزيادة الفوارق فى مستويات الدخل والمعيشة، وتزايد حدة الغليان الشعبى بسبب انتشار الفساد. كانت تلك هى الأسباب الكامنة التى أدت لانفجار ثورات الربيع العربى. وكانت المخابرات المركزية، التى أجادت أداء عملها القائم على أن تقدم لصناع القرار رؤيتها وتحليلاتها الخاصة لما يجرى فى العالم، تصنف هذه الأسباب على أنها مصادر محتملة للضغط قبل لحظة انفجاره بوقت طويل».
ويواصل: «لكن فى الوقت نفسه، لم نتوقع فى المخابرات الأمريكية، تلك الوتيرة التى تسارعت بها الأحداث فى المنطقة. ففى 14 يناير 2011، بعد أقل من شهر من إشعال التونسى محمد البوعزيزى للنار فى نفسه، أنهى الرئيس زين العابدين بن على حكمه الطويل الذى استمر لأكثر من 20 عاماً فى تونس، وطار هارباً إلى المملكة العربية السعودية. كان هذا هو أول نجاح لثورات الربيع العربى، الذى قام بعد ذلك بتغذية مزيد من الحراك عبر المنطقة كلها، إلى الحد الذى كنا نجاهد فيه للحاق به».
ويروى «بانيتا» فى مذكراته: أذكر أن أولى جولاتى كمدير للمخابرات المركزية الأمريكية كانت تتضمن التوقف فى مصر كمحطة، حيث التقيت بالرئيس المصرى حسنى مبارك عام 2009، كنت قد التقيت به من قبل خلال فترة رئاسة «بيل كلينتون»، كان «مبارك» حاضراً فى البيت الأبيض لحضور مفاوضات السلام النهائية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية حول الضفة الغربية، وطلب منى «كلينتون» أن أجلس مع «مبارك» فى الوقت الذى ذهب فيه هو للتواصل مع ياسر عرفات زعيم السلطة الفلسطينية، ورئيس وزراء إسرائيل الأسبق إسحاق رابين.
«كان هذا منذ 14 عاماً مضت، لكن، عندما تحدثت مع مبارك هذه المرة فى 2009، كان يبدو حازماً وجاداً، ويؤكد أنه أصبح الآن حليف الولايات المتحدة الرئيسى فى المنطقة، وأنه فى أفضل وضع حالياً يمكنه من الحفاظ على السلام. كان يرى أن حكومته مستقرة، وأن علاقته ثابتة وراسخة مع إسرائيل، كما أنه يتمتع بمصداقية بين القادة العرب فى نفس الوقت. لم أجادله فى أى مما قال، على الرغم من أننى كنت ألحظ بعض الدلائل التى تثير القلق بالنسبة لى».
ويواصل «بانيتا»: كانت أهم هذه الدلائل أو الإشارات التى تثير القلق، أنه كانت هناك كتائب من قوات الأمن تقوم على حراسة مبارك، وكان يتم إخلاء الطرق المحيطة بمقر حكمه لمسافات كبيرة، كأنها تشير إلى المسافة والفجوة المتباعدة التى صارت تفصل بين الرئيس المصرى وشعبه فى ذلك الوقت. لقد كان اشتعال الأحداث وتطوراتها فى تونس، نهاية 2010، سبباً فى إذكاء جذوة غضب شعوب غير راضية على امتداد المنطقة كلها. وبدا فى تلك اللحظة أن ثقة «مبارك» فى نفسه كانت فى غير محلها. لقد قلب قرار «بن على» بالفرار من تونس كل الحسابات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط ككل، وليس بدولته وحدها. لقد تسربت «احتمالية» الإصلاح إلى المحتجين والمعارضين فى الدول الأخرى، وحتى «إمكانية» التغيير الفعلى للنظام القائم. كان هذا إيذاناً بأن تصبح هذه الإمكانية التى كانت يوماً ما «احتمالاً» تستبعده تحليلات المخابرات المركزية الخاصة بالمنطقة، إلى محور تتحرك من حوله الأحداث فيها.
ويواصل مدير المخابرات الأمريكية الأسبق: كان الملاحظ فى هذه الفترة أن معلوماتنا عن هذه الأحداث، وتحديداً تلك المعلومات الخاصة بجماعات المتظاهرين، كانت تزداد تدهوراً وانكماشاً مع تزايد حدة اندفاع تلك المظاهرات إلى الشوارع. كان ذلك يرجع فى الأساس إلى أننا كنا نعتمد فى حالات كثيرة على أجهزة «مخابرات الدولة» لفهم ما يحدث فيها، ومن هم اللاعبون على ساحتها الداخلية. بالتالى كان «الربيع العربى» يتمدد سريعاً، بينما تنكمش مساحة معلوماتنا عنه بسرعة مماثلة.
ويتابع: وفى 25 يناير 2011، اندفعت موجة من الاحتجاجات المنظمة حشدت آلاف المصريين فى الشوارع. ودخل المتظاهرون فى مواجهات عنيفة مع الشرطة والجيش. لم يرضَ هؤلاء المتظاهرون بمجرد الإصلاح، وأصبحوا يطالبون بتخلى «مبارك» عن السلطة. كان هذا يضع الولايات المتحدة فى موقف دقيق: لقد كان «مبارك» حليفاً عتيداً وقديماً لنا، وتركه يسقط لم يكن يعنى فقط أننا ندير ظهورنا لعشرات السنين من التعاون والتنسيق، ولكنه كان يرسل إشارة لباقى الأنظمة فى الشرق الأوسط بأننا نتخلى عنهم ونتركهم للمعارضين لهم.
ويصل «بانيتا» إلى نقطة مهمة فى حديثه عن طريقة تفكير الإدارة الأمريكية فى أحداث مصر وقتها، ويقول: «كان السؤال الأخطر الذى كنا نواجهه فى تلك الفترة، السؤال الذى كان قائماً طيلة الوقت هو: ماذا بعد؟ من الذى سيأتى بعد مبارك؟ ربما كان من التخلى عن مبارك، لكن الثقة فى أن من سيأتى بعده سيكون أفضل منه قصة أخرى. فى الوقت نفسه، كان مبارك قائداً عنيفاً بشكل ما، بينما كان المعارضون لحكومته يملكون أساساً أخلاقياً لاحتجاجهم، ومن المؤكد أنهم كانوا يشعرون بأن لهم الحق فى الحصول على دعم وتفهم الولايات المتحدة التى ولدت هى نفسها من خضم احتجاجات مماثلة، من الناحية التاريخية على الأقل».
ويواصل: «حاولنا أن نجد وسيلة ما لكى يتخلى مبارك عن السلطة من دون جر مصر إلى الفوضى، فسعينا للتواصل معه من خلال وسطاء. وطلب البيت الأبيض من نائبى (مايك موريل) أن يتواصل من خلال القنوات الاستخباراتية مع مدير المخابرات المصرية (وقتها) اللواء عمر سليمان، لكى ينقل له رسالة محددة: بأن محاولات مبارك للتمسك بالسلطة تجعله يدمر نفسه بنفسه».
ويستمر «بانيتا» فى شرح مدى «حرص» الولايات المتحدة على مصلحة مصر وقتها، ويقول: «اقترحنا على اللواء عمر سليمان وقتها بعض الحلول والنقاط التى يمكن أن تساعد مبارك على أن يتنازل عن السلطة من دون أن يكون مضطراً لمغادرة البلاد، ووافق اللواء سليمان على نقل هذه المقترحات لمبارك. وعندما أعلن الرئيس المصرى الأسبق عن نيته لتوجيه خطاب للأمة فى 28 يناير 2011، شعرنا بالتفاؤل، وظننا أن رسالتنا قد وصلت إليه».
ويتابع: «وفى مساء 28 يناير، انضممت إلى زملائى فى غرفة متابعة الموقف فى البيت الأبيض. وجلسنا جميعاً نستمع إلى مبارك يدلى بخطابه الذى طال انتظاره لشعبه. كنا فى واشنطن نترقب بشدة أن يعلن عن نيته للتنحى وتسليم السلطة لمن سيأتى بعده. لكنه لم يفعل، واكتفى باللجوء لأنصاف الحلول، على غرار إقالة الحكومة، والاستمرار فى السلطة مع الإعلان عن أنه لم يكن ينتوى الترشح لفترة رئاسية جديدة. وهكذا، خيم الصمت على غرفة متابعة الموقف فى البيت الأبيض. فحتى من على بُعد آلاف الأميال، كان من الواضح أن هذه القرارات لن تنجح فى تهدئة المتظاهرين.
وفى اليوم التالى، عيَّن (مبارك) عمر سليمان نائباً له، بما يشير إلى عملية انتقال للسلطة. لكن، مرة أخرى، كان ذلك أقل مما ينبغى عمله فى تلك اللحظة التى تأخرت كثيراً. ومع حلول شهر فبراير، أخذ الرئيس الأمريكى باراك أوباما بحسم جانب المتظاهرين، ويوم 11 فبراير 2011، أعلن نائب الرئيس عمر سليمان عن تخلى مبارك عن السلطة. لقد احتاج الأمر ستة أسابيع من الاحتجاجات لكى يسقط واحد من أكثر أنظمة الشرق الأوسط صلابة واستقراراً. أما مبارك الذى التقيت به منذ أكثر من عشرة أعوام فى مكتب الرئيس الأمريكى فأصبح الآن فى السجن».
وينتقل «ليون بانيتا» فى مذكراته للحديث عن مرحلة أخرى من عمله فى إدارة «أوباما»، هذه المرة كوزير للدفاع بداية من أبريل 2011، خلال الفترة الانتقالية لحكم المجلس العسكرى ما بين تنحى «مبارك» وتولى «الإخوان» الحكم.
لم يتوقف «بانيتا» فى مذكراته عن تلك المرحلة إلا عند أحداث السفارة الإسرائيلية، عندما قامت مجموعة من المتظاهرين بحصار واقتحام السفارة الإسرائيلية فى القاهرة. يحكى «ليون بانيتا» عن الاتصال الذى تلقاه بصفته وزيراً للدفاع الأمريكى من نظيره الإسرائيلى «إيهود باراك»، يطالبه فيه بالتدخل لدى مصر لحل الأزمة، خاصة أنه يكشف عن معلومة لم يعرفها كثيرون وقتها، وهى وجود ستة إسرائيليين محتجزين فى السفارة خلال حصارها، الأمر الذى كان يعنى حدوث أزمة عنيفة بين مصر وإسرائيل لو كانت الأوضاع قد خرجت أكثر عن السيطرة.
يقول «بانيتا» فى مذكراته: قال لى «إيهود باراك» وصوته يحمل قلقاً واضحاً: «عندنا مشكلة فى مصر، هناك حشد من المصريين يحاصرون سفارتنا وهاجموها، وحطموا أسوارها، وهم يشقون طريقهم الآن داخل المبنى. لقد أخرجنا بالفعل معظم رجالنا من هناك، لكن ما زال هناك ستة من الإسرائيليين محتجزين وراء آخر باب. لا بد أن نخرجهم».
استغرقت لحظات حتى أستوعب ما كان يخبرنى به. كنت قد نسيت أن إسرائيل تحتفظ بسفارة صغيرة مؤمَّنة جيداً فى القاهرة كتجسيد ظاهر لاتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل برعاية أمريكية. ذكرتنى مكالمة «باراك» بهذه الحقيقة، لكننى لم أكن واثقاً ما الذى يمكننى عمله. سألته: ماذا تريد منى أن أفعل؟ ورد «باراك» بحدة: أريد منك أن تتصل ب«طنطاوى» (المشير حسين طنطاوى الذى كان وزيراً للدفاع ورئيساً للمجلس العسكرى وقتها)، وأن تطلب منه أن يرسل قواته الأمنية إلى الساحة، وأن يطلق سراح رجالنا.
ويتابع «بانيتا»: كان المشير حسين طنطاوى وقتها يرأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى تولى الحكم إثر سقوط «مبارك»، وكان هو الحاكم الفعلى لمصر بكل المقاييس، على الأقل، حتى يتم إجراء انتخابات. كان «طنطاوى» يعد رسمياً نظيرى كوزير للدفاع فى الجانب المصرى. أنا لم يكن فى مقدورى أن أفرق حشداً فى القاهرة، لكن «طنطاوى» كان يستطيع.
ويتابع: إن خطورة الموقف لم تكن تكمن فقط فيما يمكن أن يكون عليه مصير موظفى السفارة الإسرائيلية المحتجزين فى القاهرة. كانت العاصمة الليبية «طرابلس» قد سقطت من قبلها بشهر. وبدأت الاضطرابات والتوترات تجد طريقها إلى سوريا. وحتى صديقى الملك «عبدالله»، ملك الأردن، وجد نفسه يقف على أرضية غير ثابتة. أما شركاؤنا فى الخليج، السعودية والإمارات والبحرين وغيرها، فكانوا يشعرون بالقلق من خططنا حول خفض الإنفاق العسكرى، ولا يطيقون صبراً لدفعنا لمواجهة إيران بشكل أكثر حسماً. بالتالى، ووسط كل هذه الضغوط، كان من الممكن أن يؤدى اندلاع أزمة عنيفة بين مصر وإسرائيل إلى حدوث تداعيات عنيفة بالنسبة للشرق الأوسط ككل.
ويروى «بانيتا» فى مذكراته: كان علينا أن نتحرك سريعاً إذن. إن إحدى الأدوات التى يمكن أن يعتمد عليها وزير الدفاع الأمريكى فى مقر الوزارة، هى غرفة واسعة، خالية من النوافذ تقع فى نهاية الرواق الخاص من مكتبى، ويطلق عليها اسم غرفة «الكابلات». هى أقرب إلى مركز مراقبة شخصى يسمح لوزير الدفاع الأمريكى بمراقبة ما يجرى حول العالم ويتيح له فى الوقت نفسه الاتصال بالقادة والزعماء فى أى مكان فى العالم تقريباً. كانت تلك هى اللحظة التى دبت فيها الحياة إلى هذه الغرفة لنحاول بها أن ننقذ الأرواح.
ويتابع: احتشد فريقنا الخاص بمتابعة تطورات الشرق الأوسط فى غرفة «الكابلات»، محاولاً قراءة أبعاد الموقف فى القاهرة، والاتصال ب«طنطاوى» عبر الهاتف. لكن، كان الرد الأول الذى تلقيناه من مكتب «طنطاوى» فى القاهرة هو أنه «غير متاح». فقط، بلا تقديم أى معلومات إضافية. وعلى مدى الساعة التالية، ظللنا نحاول الاتصال به، وظلت الإجابة فى كل مرة أنه «غير متاح».
ويواصل «بانيتا»: تزايد قلقى، ولا أخفى أننى كنت أشعر بما هو أكثر من الغضب، وتساءلت بصوت مسموع عن السبب الذى يمكن أن يجعل وزير الدفاع المصرى لا يرد على اتصالاتنا الهاتفية. وكان رد «جون كيلى»، أحد المساعدين لى، أنه «لن يرد عليك حتى يصبح الموقف هناك تحت السيطرة. إنه يحاول الآن أن يُحكم قبضته على ما يجرى. دعنا نواصل محاولة الاتصال به حتى يدرك مدى أهمية وإلحاح المسألة».
«دخلت مساعدتى للشئون السياسية (بايلى هيلى) لتخبرنى أن البيت الأبيض على الخط. كان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو قد اتصل بنظيره باراك أوباما، يطالبه أيضاً بالتدخل للمساعدة. وحاول «أوباما» بدوره الاتصال ب«طنطاوى» لكن دون أن يرد عليه. وحرص طاقم الرئيس على أن يوضح أن الولايات المتحدة تنتظر من «طنطاوى» رد الاتصال على الفور. وواصلنا الاتصال به للتأكيد على هذه النقطة.
ويواصل: «وأخيراً.. رد طنطاوى على اتصالاتنا. أمسكت بالهاتف ولم أضيع الوقت فى اللف والدوران. قلت له: سيادة المشير، هناك الآن أزمة فى شوارع بلدك. إن السفارة الإسرائيلية تتعرض لهجوم. وهناك ستة أشخاص أبرياء هناك. أنا بحاجة لتأكيد وضمانة شخصية منك بأنك ستفعل كل ما فى وسعك لإخراجهم من هناك أحياء.. الواقع أننى لم أكن قد تحدثت إلى الرجل من قبل، لكننى كنت أبدو وكأننى أوجه إليه الأوامر باسم أمريكا. لم تكن هذه هى الطريقة التى أفضلها لإدارة وسير الأمور، لكننى لم أكن أملك خياراً آخر».
ويتابع «بانيتا»: لكن الواقع، أن هدوء «طنطاوى» كان يفوق حدتى. بادرنى وزير الدفاع المصرى بالقول، كأنه لم يسمع كلمة واحدة مما قلت: سيادة الوزير «بانيتا»، إنه لشرف كبير لى أن أتحدث إليك. «إننى أتطلع لمقابلتك ولقائك فى مصر، إن بلدنا العظيم، وبلدكم العظيم يحافظان على علاقة شديدة التميز بينهما».
ويواصل «بانيتا»: «كانت حدة غضبى تتزايد وهو يواصل الكلام متجنباً الخوض فى سبب مناقشتنا من الأساس. لقد كنت أحتاج وأنتظر منه ضمانات وتأكيدات بأن الموقف تحت السيطرة، ولم أكن أنتظر منه دعوة لزيارة القاهرة. وأخيراً، وصل إلى الموضوع، وقال لى إن قواته الأمنية موجودة الآن على الساحة، وإنه من الممكن إنقاذ الإسرائيليين».
«وفى مساء ذلك اليوم، شقَّت قوات الأمن المصرية طريقها إلى داخل مبنى السفارة الإسرائيلية، وأحبطت الهجوم عليها. وأوقفت المهاجمين، وقامت بإطلاق سراح الإسرائيليين. وهكذا، بمجرد أن انتهت تلك الأزمة، قبلت دعوة «طنطاوى» التى وجهها إلىَّ فى هذا اليوم، وقمت بزيارته فى مصر. وصرنا نعمل معاً عن قرب منذ تلك اللحظة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.