يقدم أردوغان على مغامرة تاريخية ويقف أمام تحديات كبرى تواجهها تركيا بمواصلة تطاوله على مصر والدول العربية نتيجة الجرح العميق الذى أصابه من الشعب المصرى فى 30 يونيو حين أزاح حكم الإخوان من مصر وأنار الطريق ودق ناقوس الخطر لثورات الربيع العربى من خطورة استيلاء الإخوان على مقاليد السلطة فى الدول العربية والإسلامية. هذا الجرح العميق أضيف إليه جرح أعمق حين نجح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى تفادى العزلة الدولية، خصوصاً من أوروبا وأمريكا، وخير دليل نجاح لقائه بالرئيس أوباما بناء على طلب الإدارة الأمريكية وإعدادها لهذا اللقاء على هامش اجتماعات منظمة الأممالمتحدة، فإن ما فعله الشعب المصرى فى 30 يونيو من ثورة أطاحت بحكم الإخوان حول الربيع العربى من فرصة تاريخية للإخوان إلى نكبة تاريخية لهم، فكان تدفق الملايين فى 30 يونيو هو ثورة المصريين الحقيقية، وكان موعداً مع رجل القدر فى مصر فالتقط الرسالة وذهب بها إلى قدره المكتوب عليه لينقذ الهوية المصرية من الحكم الإخوانى ويبعث الضوء الأحمر ويدق ناقوس الخطر للدول العربية التى تمر بمرحلة الربيع العربى من خطورة حكم الإخوان ويعيد ترتيب أوراق المنطقة من جديد ويُسقط حلم حاكم تركيا بالخلافة العثمانية القديمة فى المنطقة، فلو كان مرسى ما زال رئيساً لمصر -لا قدر الله- لكان موقع أردوغان مختلفاً فى المنطقة، ولأصبح من الكبار الأربعة وهى تركيا ومصر والسعودية وإيران، وكان وضعه الإقليمى مختلفاً تماماً وباستطاعته استخدام هذا الوضع القيادى الجديد فى طريقة معاملته مع الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبى وصولاً إلى الحلم التركى الساعى بشغف، قرابة الخمس عشرة سنة الماضية، للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبى. فاليوم يجد أردوغان نفسه أمام علاقة مميزة بين مصر والسعودية ودول الخليج -بخلاف قطر- الشريك الرئيسى والوحيد فى المنطقة للسياسة التركية بقيادة أردوغان وتميم، الحاكم الشكلى لإمارة قطر. فأمام وليمة السلطة والحلم الأردوغانى اعتاد حاكم تركيا أن يتطاول على مصر وأشقائها العرب دون أن يلتفت إلى ما يدور فى تركيا من انتهاك صارخ ومدوّن ومعلن لحقوق الإنسان، وهو الوضع الذى أدى إلى تفجر موجة غضب فى يونيو عام 2013 ضد سياسة أردوغان الداخلية. فقد أصدرت منظمة «هيومن رايتس» فى الأشهر الأخيرة تقريراً انتهت فيه إلى تراجع الحريات فى تركيا واتهام صريح لأردوغان الذى يقود البلاد منذ 2002 بانتهاكها وعدم تسامحه تجاه معارضيه السياسيين ورفضه للانتقادات فى كافة وسائل الإعلام. فمنذ فضيحة الفساد الشهيرة التى أُعلن عنها فى ديسمبر الماضى وثبت بالأدلة القاطعة تورط قادة سياسيين من أركان حكمه فيها، أحكم نظام أردوغان قبضته الحديدية عبر إصداره عدة قوانين أحكمت قبضته على الجهاز القضائى وشبكات التواصل الاجتماعى، كما أضاف صلاحيات جديدة للأجهزة الاستخباراتية والأمنية، وبادر بإصدار عدة تشريعات تمكنه من التدخل فى إجراءات التقاضى، وقاد حملة تطهير واسعة شملت الآلاف من رجال القضاء والشرطة وإدانتهم بالتآمر على مصالح الدولة. فسياسة أردوغان التى تطابق سياسة الإخوان فى الحكم من أساس أركانها أن الشرعية التى يملكها يجب أن تسود فوق دولة القانون. فكيف يتشدق أردوغان الآن ويتحدث من منبر منظمة الأممالمتحدة عن الاستقلال وحرية التعبير والرأى، وحديثه عن الانقلاب الذى وقع فى مصر وقلقه على حرية التعبير ولديه 117 ألف سجين سياسى. فقد نشرت جريدة نيويورك تايمز الأسبوع الماضى تقريراً يفضح بجلاء الضغوط التى مارسها أردوغان على إحدى الصحف لعدم نشرها تحقيقاً صحفياً يكشف عن علاقة تركيا بتنظيم داعش الإرهابى. وما تشهده تركيا الآن من خروج الآلاف فى مظاهرات حاشدة ضد أردوغان رفضاً للتدخل العسكرى فى سوريا كان مصير المتظاهرين فيه سقوط أكثر من 18 قتيلاً حتى الآن خلال يومين من اندلاع تلك المظاهرات وقيامه بفرض حظر التجوال على سبع عشرة مدينة تركية. والسؤال الذى يطرح نفسه الآن على الساحة المصرية: هل ستظل السياسة المصرية متمسكة بهذا الموقف، وهو موقف المتلقى دائماً لتجاوزات أردوغان، والمتمسكة باستخدام الحكمة والعقل إزاء استمرار تلك التجاوزات والتدخل السافر فى الشأن الداخلى المصرى، وهل ستظل السياسة المصرية تقبل باستمرار تلك اللهجة وتقبل وصاية أردوغان على إرادة الشعب المصرى ورفضه احترام الإرادة الشعبية المصرية التى حطمت الحلم التركى لقيادة المنطقة؟! فالشارع المصرى بأكمله يزداد غيظاً من استمرار تجاوزات وتطاول أردوغان عليه وعلى رئيسه الرئيس عبدالفتاح السيسى، ويطالب باتخاذ موقف أكثر إيجابية تجاهه، فقد نفد صبر المصريين تجاه تلك الممارسات والتجاوزات الأردوغانية. فخبراء اقتصاديون يطالبون بإلغاء اتفاقية التجارة بين مصر وتركيا التى وُقّعت إبان حكم مرسى بمدينة أنقرة عام 2012 والتى تسمح بمرور البضائع التركية لدول الخليج دون عبورها قناة السويس وشحنها لميناء دمياط ونقلها براً لميناء السويس أو العين السخنة وصولاً لنقلها بحراً لدول الخليج العربى، كما طالبوا بالتنسيق من خلال غرف التجارة والصناعة بمقاطعة استيراد المنتج التركى الذى يسعى دوماً للسيطرة على الأسواق المصرية فى كافة المجالات، ويظهر ذلك جلياً من استمرار استيراد الحديد التركى الذى أدى إلى تأثر الصناعة الوطنية المصرية وفقدانها أكثر من 14% من طاقتها الإنتاجية بالسوق المصرية، وهو ذات الحال لصناعة النسيج، فآلاف المصانع التى تعمل فى مجال الغزل والنسيج بكافة طوائفه تواجه خطر الإغلاق بسبب الإغراق النسيجى والحديدى فى السوق المصرية. وإننى أطالب، كما يطالب كثير من المصريين، باستخدام سلاح المقاطعة النهائية لكافة المنتجات التركية وتفعيل ذلك السلاح الوحيد الذى يملكه المصريون واتخاذ ذات الموقف الذى اتخذوه من قبل حين قاطعوا المنتجات الهولندية والدنماركية فى موقف مماثل مما جعل حكومات تلك الدول تقوم بمراجعة مواقفها إزاء استخدام سلاح المقاطعة نتيجة تطاول الإعلام الغربى على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. فاستخدام سلاح المقاطعة هو السلاح الوحيد الذى يملكه المصريون بيدهم، فسوف يؤدى بالطبع إلى مراجعة أردوغان لمواقفه تجاه المصريين ويجعله يحترم إرادته وحريته فى اختيار حاكمه فأردوغان يعلم أن الثمن باهظ اقتصادياً بالنسبة لتركيا، فميزان التجارة بين الدولتين يصل إلى خمسة مليارات دولار سنوياً ويصب فى صالح الاقتصاد التركى الذى تبلغ قيمة صادراته أربعة مليارات دولار للسوق المصرية سنوياً.