لم أقرر الرد على ما كتبه السيد نادر بكار تحت عنوان «أخطأت فى المقالتين يا حمزاوى» (ونُشر فى الوطن فى عدد الاثنين الماضى وعدد الأمس) لفكرة مهمة لفتت الانتباه أو لنقد موضوعى يستحق التعامل معه بجدية. فالكلمات التى صاغها السيد بكار فى جمل كثيرة لم تحمل لا فكرة مهمة واحدة ولا نقداً موضوعياً يدفعنى لإعمال العقل والتوضيح، على النحو الذى قمت به على سبيل المثال بعد ملاحظات مكتوبة للدكتور سيف الدين عبدالفتاح حول قضية البيئة الدولية لكتابة الدستور، نُشرت فى جريدة الأهرام. وقناعتى هى أن النقاش مع عبدالفتاح وآخرين أسفر عن ترشيد لطرحى ارتبط بالتشديد على إلزامية المواثيق والعهود الدولية للحقوق والحريات لكتابة الدستور فى مصر ورفض بعض التهور فى الطرح المتعلق بالتواصل مع البرلمانات الدولية للضغط على فصيل الإسلام السياسى. وقد صغت حصاد الترشيد هذا فى مقالة عنونت السياسة كتدافع وترشيد (نُشرت أيضاً فى الوطن الثلاثاء الماضى). ولم يدفعنى أيضاً للرد التطاول اللفظى الذى وقع به السيد بكار فيما كتب ورغب على الأرجح من خلاله تعويض تهافت المضمون، فليست هذه من شيمى ولا من أخلاقى، وأثق تماماً أن التطاول يعود على من يمارسه بالضرر العظيم ولا ينتقص أبداً من كرامة من يمارس ضده. بل ما دفعنى للرد هو محاولة تفسير دوافع السيد بكار للتدخل فى جدل دار ورشد فى النقاش العام قبل أن يصل هو كلماته فى جمل وينشرها. وظنى أن الدوافع جلية ويمكن أن تقسم إلى مجموعتين؛ مجموعة أولى ترتبط بالأزمة السياسية التى يمر بها السيد بكار فى ظل صراع الجبهات داخل حزب النور السلفى والاتهامات المتبادلة بين أعضائه وتنازعهم على المناصب والمواقع. غاب السيد بكار عن المشهد السياسى العام مع أزمته، وعندما أراد العودة وبممارسة نفعية واضحة هاجمنى كى يستميل إليه بعض المؤيدين أو يكتسب اهتمام بعض القطاعات التى أمرضتها قنوات التطرف التليفزيونية وأصوات منتجى فتاوى التكفير بداء الهجوم على التيارات والشخصيات الليبرالية. ممارسة نفعية واضحة، لم ينجح فى إخفائها بحديث عن صداقة فرّغها هو من الصدق والثقة بتطاوله اللفظى. ممارسة نفعية واضحة، أؤكد له أنها وإن خيل له أنها قد تساعده فى تجاوز أزمته السياسية إلا أنها حتماً ستنقلب عليه وتخصم كثيراً من رصيد احترام بين الناس يتعين على السياسى والمهتم بالشأن العام السعى دوماً لاكتسابه والحفاظ عليه بنزاهة الفعل وعفة القول. أما المجموعة الثانية من دوافع السيد بكار فتتعلق بمحاولة توظيف الجدل الذى دار بشأن طرحى لإلحاق الضرر بالقضية الأعم وهى رفض القوى والتيارات الوطنية الليبرالية واليسارية لتلاعب فصائل الإسلام السياسى وأعضائها فى الجمعية التأسيسية للدستور بملف الحقوق والحريات. وطبعاً، وهو هنا لا يختلف عن أصوات التطرف الأخرى، لم يجد لهذا سبيلاً إلا بإيهام قراء كلماته بأن المعترضين على التلاعب بالحقوق والحريات يناهضون الشريعة الإسلامية ويرغبون فى مخالفتها. مثل هذه الرؤية المتهافتة، والتى وظف للتدليل عليها مجدداً بنفعية واضحة وفى ظل غياب المضمون نقاشاً قديماً بشأن الزواج المدنى أوضحته مراراً، يرد عليها بيسر وسهولة بثلاث جمل: 1) لا تدعو التيارات الوطنية الليبرالية واليسارية لمخالفة الشريعة، بل تحترمها فى ظل التوافق العام حول مبادئ الشريعة الإسلامية كالمصدر الأساسى للتشريع. 2) نحن مؤيدون بأحكام للمحكمة الدستورية العليا وبشروح لأساتذة قانون وشريعة وفقه أتمنى للسيد بكار أن يطلع على بعضها، واثقون من أن الإشارة لمبادئ الشريعة كالمصدر الأساسى للتشريع كافية تماماً لكى لا تُجاز قوانين مصرية مخالفة للشريعة. 3) أما إن كان السيد بكار وفصيله يبحثون عن إعادة مجتمعنا لعصور الظلام بالسماح بتزويج القاصرات (عبر حذف حظر الاتجار بالنساء من الدستور الجديد) أو الانتقاص من حقوق وحريات المرأة المتساوية بالكامل مع الرجل أو بالتمييز بين المواطنات والمواطنين على أساس الانتماء الدينى أو بالعصف بهوية الدولة المدنية الحديثة والتمهيد لدولة دينية بوضع الأزهر (أو هيئة لكبار علماء الدين) فوق السلطات العامة ويوظفون فى هذا فهمهم الظلامى للدين وللشريعة السمحاء، فعليه وعليهم إدراك أننا سنواجههم بكل قوة ومعنا قطاعات شعبية واسعة تريد وطناً حراً يحفظ كرامة الإنسان وحقوقه وحرياته دون تمييز أو تضييق. وعلى الرغم من رفضى للجمعية التأسيسية، والتى ينتمى لها كعضو السيد بكار، ودعوتى لإعادة تشكيلها ومع استمرارى فى العمل بين الناس لتوعيتهم بشأن الدستور والتنبيه لمخاطر الصياغات الأولية للمواد الدستورية، فإننى ما زلت أتمنى أن تُخرِج لنا هذه التأسيسية (أو تأسيسية بديلة) نصاً دستورياً مقبولاً لا ينتقص من الحقوق أو الحريات، وإن كانت شكوكى أقوى فى اللحظة الراهنة. ولست فى احتياج للحوار مع التأسيسية، فأفكارى وأفكار غيرى بشأن الدستور مطروحة أمام الرأى العام وللسيد بكار وزملائه أن يطالعوها. مجموعتان من الدوافع، إذن، أنتجتا كلمات السيد بكار؛ ممارسة نفعية واضحة تسعى لتجاوز أزمة سياسية بهجوم على خصم وإيهام للرأى العام بمقولات زائفة بأن من يرفض تلاعب الإسلام السياسى بالحقوق والحريات يناهض الشريعة. وفى السياقين، ولكى أضيف لغريب الألفاظ التى يسمع عنها السيد بكار ودون أن أقع فى خطيئة التطاول على خصم سياسى أرجو له أن لا يقع فى هذه الخطيئة مجدداً، مفقوسة أوى!