وإن تعجب فاعجب من تناقض الإخوان. فالجماعة تروّج على صفحاتها وفضائياتها للتهديدات التى يمكن أن تنال الملاحة البحرية فى قناة السويس نتيجة اقتراب الحوثيين من مضيق باب المندب، وفى نفس الوقت تروّج قيادات منها لفكرة أن «على عبدالله صالح»، رئيس اليمن السابق، هو المحرك الأول للحوثيين، وأنه يقاتل من أجل إسقاط ثورة اليمن من خلال «الحوثى». ولست أدرى كيف يستقيم هذا الطرح المتناقض فى أذهان من يرددون هذا الكلام. اللافت فى الأمر أن بعض المسئولين المصريين انجرُّوا وراء هذا الطرح الإخوانى وبدأوا يتحدثون أيضاً عن مخاطر وصول الحوثيين إلى باب المندب، وتأثيراته على الأمن القومى المصرى، والملاحة فى قناة السويس. فقد صرّح «سامح شكرى» وزير الخارجية تعليقاً على الأحداث التى تشهدها اليمن: «حرية الملاحة فى قناة السويس مرتبطة بالقوانين الدولية، وسيطرة الحوثيين على باب المندب إذا وصلت إلى تهديد للمصالح المصرية ستكون هناك أساليب لمواجهتها، ولن نتهاون فى حقنا». وقبل وزير الخارجية قال الفريق «مهاب مميش»، رئيس هيئة قناة السويس، رداً على التقارير التى تتحدث عن وجود أعمال عدائية لإغلاق مضيق باب المندب، إن هذه التهديدات غير مقبولة وغير مسموح بها، لافتاً إلى أنها لن تهدد حركة التجارة إلى مصر فقط بل ستهدد حركة السفن كلها، مؤكداً أن إغلاق المضيق معناه إيقاف حركة التجارة العالمية وهو ما لن يتم السماح بحدوثه. الإخوان تفكر بأسلوب قديم، قديم جداً، ربما كان دافعها إلى ذلك أنها تتصور أن الطرف العسكرى تخلّص منها عام 2013 بنفس الطريقة التى وقعت عام 1954، وهو تفكير يهدر السياق بصورة لا تؤدى إلى نتائج يقبلها العقل، وتأسيساً على ذلك تحلم الجماعة بأن يتورط الجيش المصرى فى اليمن، كما سبق وتورط فى الستينات، وهو ما مثَّل أحد أسباب هزيمته أمام العدو الإسرائيلى فى يونيو 1967، حين تقمصت الجماعة دور «خالتى شماتة»، وخرج من بين الإسلاميين من يعلن أنه سجد لله شكراً بعد هزيمة الجيش المصرى حينذاك! الجماعة تريد تكرار نفس السيناريو، متناسية تماماً موقف الشعب منه، حين خرج وأسقطها فى يونيو 2013، وحين رفض -وما زال يرفض- مجرد طرح فكرة المصالحة معهم! والمسئولون من جانبهم يفكرون بشكل «عقيم». فما الداعى للانجرار وراء ما يردده الإخوان حول وصول الحوثيين إلى باب المندب وتهديد قناة السويس، وإطلاق التهديدات والتحذيرات فى وقت يرددون فيه بألسنتهم أن موضوع «باب المندب» شأن دولى وليس شأناً مصرياً، وأن وجود أى مخاطر على الملاحة فى هذا المضيق مسألة تستوجب التدخل الدولى. «ياما كان فى نفسى» أسمع هذه اللهجة الحاسمة تكلل التصريحات التى يطلقها مسئولونا وهم يتحدثون عن «سد النهضة» الذى يمثل تهديداً لا تخطئه عين للأمن القومى المصرى، وفى الوقت الذى يتعالى فيه بنيانه وتنتهى إثيوبيا من نسبة كبيرة منه، ما زلنا نتفاوض، ونتفاوض، ونتفق مع شركات عالمية لتدرس وتدرس، بينما البناء على قدم وساق. هناك ملفات أَوْلى بالمسئولين أن يتصدروا لها، بدلاً من التصدر ل«الهايفة»!