علا صوت المفتئتين فى الآونة الأخيرة، وكما يقول شيخنا وأستاذنا المرحوم محمد الغزالى: إن الأعداء يمتدون فى الفراغ الذى يتركه أصحاب الحق فيه. والمفتئت عدو المجتمع لأنه ينصب من نفسه وصياً أو ولياً أو جلاداً على غيره فلا يفتى لنفسه وإنما يفتى للناس يأمرهم وينهاهم وينغص عليهم حياتهم إن لم يلتزموا بأمره ونهيه لأنه يرى نفسه وكيلاً حصرياً عن الله فى بيان شرعه وحمل الناس عليه، ولو أن الناس أخذت حقها الشرعى وشغلوا هذا الفراغ الذى تركوه لما وجدنا فى المجتمع مفتئتين يصولون ويجولون بل وجدنا المجتمع عزيزاً كل فرد فيه يعيش معنى العزة والكرامة، يتناصحون ولا يتغالبون، يتفاهمون ولا يتأسدون، يتوافقون ولا يتألهون. فقول الله تعالى: «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون» (المنافقون: 8) لا يعنى قصرها على بعض المؤمنين دون بعض، وقوله تعالى: «ولقد كرمنا بنى آدم» (الإسراء: 70) لا يعنى قصر التكريم على بعض بنى آدم دون بعض. ومقتضى تلك العزة والكرامة التين جعلهما الله حقاً شرعياً مكفولاً لكل مؤمن أو آدمى فإن الله تعالى قد أعطى لكل إنسان عاقل حق الاجتهاد واستنباط الفتوى لنفسه إن ظن قدرته على ذلك، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد فإن الله تعالى قد أعطاه حق الاختيار من بين فتاوى أهل الاجتهاد دون الالتزام بإحداها إلا أن يكون عن قناعة منه لعموم قوله تعالى: «وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه» (الإسراء: 13)، وما أخرجه أحمد بإسناد حسن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لوابصة بن معبد: «استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك». ويؤمّن الإسلام المسلم الذى اشترى نفسه بممارسة حق الاجتهاد من النصوص الشرعية المختلفة أو بممارسة حق الاختيار من بين الفتاوى الفقهية العديدة بأنه ضامن لأحد الأجرين فيما أخرج البخارى عن عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اجتهد الحاكم ثم أخطأ فله أجر وإذا اجتهد ثم أصاب فله أجران»، كما يقطع الإسلام طريق المشككين الحريصين على هزيمة الإنسان أمام نفسه بدعوى إمكان الخطأ عند الاجتهاد أو عند الاختيار فيما أخرج الحاكم وابن ماجة بسند فيه مقال عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى وضع عن أمتى الخطأ والنسيان ومااستُكرهوا عليه». ماذا يصنع الإسلام أكثر من هذا لحماية عزة الإنسان وكرامته أن يسطو عليهما مفتئت أو متغلب مثل من علا صوته فى الأيام القليلة الماضية منادياً المجتمع بتمكين تزويج القاصرات فيه بزعم أنه حُكم الله، وأن ما أحله الله لا يحرمه أحد، وسكت الناس عليه دون أن يتمسكوا بحقهم الشرعى فى الاختيار الفقهى الذى يرتضونه ويحقق لبناتهن المصالح ويدرأ عنهن المفاسد حتى امتد هؤلاء المفتئتون فى فراغهم الفقهى.. وللحديث بقية.
