كل سنة والقراء طيبون، وأعتذر عن هذا العنوان الصادم فى أول أيام عيد الأضحى المبارك، لكن العيد الذى قصدته فى عنوان المقال هو عيد الثورة اليمنية، ففى 26 سبتمبر الماضى كان المفروض أن يحتفل اليمن بالعيد الثانى والخمسين لثورة سبتمبر 1962، لكن أصداءه ضاعت فى ضجيج رصاص الحوثيين أو «أنصار الله» كما باتوا يسمون أنفسهم، والذين استولوا على صنعاء فى أيام قلائل قبيل عيد ثورتها بأيام، وكأن اثنتين وخمسين سنة قد ضاعت من عمر اليمن، فقد قوضت ثورة 26 سبتمبر نظام الإمامة الذى ذاق فيه اليمنيون المر والعذاب خاصة فى طبعته الأخيرة تحت حكم بيت حميد الدين اعتباراً من 1908، وها هم الحوثيون الآن أنصار إعادة الإمامة يحاولون إعادة عقارب الزمن إلى الوراء لأكثر من نصف قرن. فى أقل من نصف قرن أعادت ألمانيا واليابان بناء نفسيهما كقوتين اقتصاديتين عالميتين، وزادت ألمانيا باستعادة وحدتها، وفى نصف قرن اقتربت الصين بعد ثورتها من مصاف القوى العظمى، وفى نصف قرن أنجز أعضاء الاتحاد الأوروبى معظم مسيرة تكاملهم الاقتصادى، وفى نصف قرن أنجزت الهند ما جعلها دولة كبرى، أما نحن فقد مضى نصف القرن علينا وكأننا نحرث فى البحر؛ فلا دولة وطنية حديثة بنينا ولا ديمقراطية حقيقية أنجزنا ولا تنمية شاملة حققنا ولا عدلاً اجتماعياً أقمنا إلا من رحم ربى. لم تكن هذه هى المرة الأولى التى تتعرض فيها صنعاء للحصار والاجتياح، ففى 1948 جرت وقائع أول محاولة تغيير ثورية فى الوطن العربى. صحيح أنها وإن اغتالت إمام اليمن يحيى حميد الدين أبقت على نظام الإمامة، لكنها طمحت إلى حكم دستورى أعلنت له «ميثاقاً مقدساً»، غير أن قوى الوضع الراهن المحلية متحالفة مع القوى الإقليمية التى أزعجها كثيراً أن يتحول اليمن إلى ملكية دستورية استطاعت أن تدحر الثورة، واجتاحت القبائل الموالية لها صنعاء ونهبتها، وقد وعى ثوار سبتمبر 1962 هذا الدرس فبادروا إلى طلب المساعدة العسكرية من مصر فور نجاحهم فى إسقاط النظام القديم، ولبى «عبدالناصر» طلبهم خاصة أن ثورة سبتمبر قد قامت بعد سنة بالتمام والكمال من انفصال سوريا عن مصر الذى مثل أول هزيمة سياسية لعبدالناصر فى الوطن العربى، وكان من شأن إخفاق الثورة التى استنجدت به أن يهدد مشروعه العربى. واستمرت القوات المصرية تدعم الثورة اليمنية وتساعد على بناء قوتها الذاتية حتى وقعت هزيمة 1967 التى حتمت سحب مصر قواتها من اليمن وقد كان، ولكن بعد أن قامت هذه القوات بهجوم شامل على القوى المعادية للثورة لإضعافها قدر المستطاع قبل الانسحاب وكذلك بعد أن أتمت القوات البريطانية انسحابها من جنوب اليمن فى نوفمبر 1967 وتم بذلك تأمين الثورة اليمنية ضد التدخل البريطانى. وفور إتمام القوات المصرية انسحابها من اليمن فرض الملكيون -حوثيو اليوم- حصاراً شاملاً على صنعاء، لكن صنعاء التى كان عمر ثورتها قد تجاوز الخمس سنوات بقليل، والتى سقطت بعد اثنتين وخمسين سنة فى أيدى الحوثيين فى أيام قلائل صمدت أمام الحصار فى ديسمبر 1967 سبعين يوماً نجحت فى نهايتها فى كسر الحصار وتثبيت الثورة، فما أبعد الليلة عن البارحة! سوف تكون تداعيات التطورات الأخيرة فى صنعاء فادحة ليس بالنسبة لليمن وحده وإنما على الصعيد العربى ككل، وأول هذه التداعيات ما يتعلق باحتمال نشوب حرب أهلية ضارية فى اليمن تعيده لا قدر الله عقوداً إلى الوراء، فقد احتل الحوثيون بموجب «اتفاق السلم والشراكة الوطنية «الذى وقع فى 21 سبتمبر الماضى مكاناً مميزاً جنباً إلى جنب مع ممثلى الحراك الجنوبى السلمى، إذ نص الاتفاق على أن يأتى من بينهم مستشارو الرئيس السياسيون، وهؤلاء ينفردون بنصح الرئيس فى شأن معايير اختيار الوزراء فى الحكومة المزمع تشكيلها، وتوزيع المقاعد الوزارية على المكونات السياسية المختلفة، والطعون المقدمة فى ترشيحات الوزراء، مع أن نصيبهما معاً -أى الحوثيين والحراك الجنوبى- من مقاعد مؤتمر الحوار الوطنى لم يكن يتجاوز إلا بقليل خمس هذه المقاعد، ولن يسكت خصومهم على هذا الوضع بطبيعة الحال حتى وإن كانت المفاجأة قد ألجمتهم، وهم خصوم أقوياء يأتون من سنة اليمن (الشوافع) وحزب الإصلاح ذى الخلفية الإسلامية السنية والقبائل المؤيدة لهما وقطاعات من الجيش والقوى المدنية الثورية، وسوف يكون هذا المناخ الصراعى خير بيئة لتفاقم محاولات تفتيت اليمن لا قدر الله، ولن يكون هذا التفتيت على خط شمال - جنوب فحسب، وما تاريخ جنوب اليمن قبل الاستقلال ببعيد، وعلى صعيد الأمن القومى العربى سوف تضيف إيران -القوة الخارجية الداعمة للحوثيين- موطئ قدم آخر لها فى اليمن بعد سوريا ولبنان والعراق، ولا يجب أن ننسى أن اليمن يشرف على مضيق باب المندب المدخل الجنوبى لقناة السويس، الذى كان إغلاقه من قبل البحرية المصرية بالتنسيق مع السلطات اليمنية ضربة معلم فى حرب أكتوبر 1973. فماذا نحن فاعلون؟