بداية أحب أن أنوه بتقديرى وإعزازى للصديق الدكتور خالد منتصر الذى غالباً ما أبادر بالاتصال به عندما يلم بى أى مرض أستشيره إلى أى من الأطباء أتوجه.. وهو دائماً لا يبخل علىَّ بالاستشارة والمشورة والنصح، وغالباً ما يبادر بالاتصال بأحد أصدقائه من كبار الأطباء ويحجز لى الكشف المبكر لديه.. ودائماً ألمس فيه رقياً أخلاقياً وتهذباً وإخلاصاً فى النصيحة الطبية. وقد تابعت مع قراء جريدة «الوطن» سلسلة مقالات الدكتور خالد منتصر الأخيرة تحت عنوان «هذا هو العبقرى داروين يا فضيلة شيخ الأزهر» 1، 2، 3.. وقد استنكر الدكتور منتصر فى مقالاته اتهامات شيخ الأزهر لمؤيدى هذه النظرية بالإلحاد!! وأكد أن هذه النظرية تخطت حدود التخمينات وصارت حقيقة دامغة لا تحتاج شهادة من أحد!!! ثم وجه سؤاله الاستنكارى لفضيلة شيخ الأزهر: من قال إن الإنسان مجرد حلقة فى سلسلة التطور، معارضاً نظرية الخلق المستقل المكتوبة فى التوراة، ما المصير الذى ينتظره؟ ثم استطرد قائلاً إنه كان الأجدى أن يطالب شيخ الأزهر بإعادة النظر فى التفاسير القرآنية التى اعتمدت على حكايات التوراة فى مسألة الخلق بالأساس!!! وبعد أن أسهب فى شرح بعض جوانب حياة «داروين» وأمثلة من نظريته اختتم مقاله الثانى بأنه قد تجمعت الأدلة والشواهد على تأكيد أكبر ثورة فكرية فى التاريخ؛ ثورة التطور التى تحولت من نظرية إلى فلسفة!!! وأن الدلائل التى دونها «داروين» فى كتاب «أصل الأنواع» هى شفرة الفهم الجديد لسر الحياة ونشوء الكون وتطور الكائنات..!!! ورداً على الصديق د.خالد منتصر وتأييده المطلق لنظرية «داروين» وعبقريته لا بد من التنويه بما يلى: أولاً: إن كلام «داروين» نظرية وليس قانوناً أو حقيقة علمية دامغة ومثبتة، كما يدعى الدكتور خالد منتصر.. والنظرية كما يعلم سيادته ونعلم جميعاً تحتمل التصديق والتكذيب.. وبالنسبة لنظرية «داروين» نجد أنه لا يؤيدها الواقع المشاهد، إذ لو كانت حقاً لشاهدنا كثيراً من الحيوانات والناس تأتى إلى الوجود عن طريق التطور لا عن طريق التناسل فقط. ثانياً: منذ ألَّف «داروين» كتابه «أصل الخلائق» وكتابه الثانى «ظهور الإنسان» سمى هذا المعتقد بنظرية «داروين»، ومجمل النظرية يقوم على أن الوجود قام دون خالق، وأن الإنسان قد تطور من القرد، فصيلة «الشمبانزى»، وأن هناك تسلسلاً فى الأجناس البشرية، حيث تدعى النظرية الأمور الآتية: - أن المخلوقات جميعها كانت بدايتها من خلية واحدة وهى «الأميبا». - أن هذه الخلية تكونت من الحساء العضوى نتيجة لتجمع مجموعة من جزيئات البروتين، وبينها بقية العناصر الأخرى، حيث أدت عوامل بيئية ومناخية «حرارة، أمطار، رعد، عواصف» إلى تجميع هذه الجزيئات فى خلية واحدة هى الأميبا. - وتستطرد النظرية شروحاتها حتى تصل إلى أن الخلية الأولى أخذت تنقسم وتتطور إلى مخلوقات ذات خليتين، ثم إلى متعددة الخلايا وهكذا، حتى ظهرت الحشرات والحيوانات والطيور والزواحف والثدييات، ومن ضمنها الإنسان، كما أن جزءاً آخر من الخلية انقسم وتطور إلى أنواع من الخمائر والطحالب والأعشاب والنباتات.. - أن معظم البشر الذين يقطنون الأرض والذين هم من أصل القرود يتسلسلون بحسب قربهم لأصلهم الحيوانى، حيث إنهم يندرجون حسب نظرية «داروين» فى ست عشرة مرتبة يأتى الزنوج ثم الهنود ثم الماويون ثم العرب فى أسفل السلسلة، ويأتى الأوروبيون «البيض» فى المرتبة السادسة عشرة، أما ما بعد المرتبة السادسة عشرة وهى مرتبة الجنس الخارق الذين يسودون أجناس العالم فهو جنس اليهود. - وقد جعلت النظرية وأكدت أن كل ما تعتقده وتؤمن به الأجناس والشعوب التى هى فى أسفل السلسلة البشرية هو عبارة عن أساطير وخرافات ناتجة عن الجهل والتخلف اللذين جعلا أمثال هذه الشعوب تربط كل شىء بقوة خارقة «الإله»، وتشعر بعقدة الذنب والعقاب، إن هى خالفت منهج الإله الذى تدين به، وأنها تستحق الثواب والأجر إن هى أطاعت هذا الإله. - أن نظرية «داروين» هى فى الحقيقة «نظرية إنكار الخالق»، حيث إن مجمل النظرية يقوم على أن الوجود قام دون خالق، وأن المخلوقات أوجدت نفسها وطورت وظائفها وأشكالها وبيئاتها بنفسها، وأن بداية الخليقة كانت صدفة، وتطورها إلى أشكال وأنماط مختلفة إنما جاء نتيجة لتعاملها مع الظروف البيئية والمناخية والجغرافية المختلفة. - هذا الكفر لم يستحدثه «داروين» إنما هو قديم جداً وذكره الله تعالى حيث قال فى كتابه العزيز عن هذا النوع من الكافرين بالله تعالى: «وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ، وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ»، وقد سمى هؤلاء الكفرة بالدهريين، وقد تصدى لهم القرآن الكريم فى الكثير من الآيات. ثالثاً: أن نظرية «داروين» قد قامت على عدة فرضيات ما بين الانتخاب الطبيعى والبقاء للأصلح والنشوء والتطور، وكلها فرضيات وليست حقائق مسلماً بصحتها. رابعاً: أنه منذ ظهور هذه النظرية «منذ أكثر من مائة وخمسين عاماً» تصدى لها الكثير من العلماء وفندوها أمثال الدكتور «سوريال» فى كتابه «تصدع مذهب (داروين)، كما قام كثير من علماء الطبيعة برد النظرية ومنهم «دالاس»، حيث قال ما خلاصته: «إن الارتقاء بالانتخاب الطبيعى لا يصدق على الإنسان، ولا بد من القول بخلقه رأساً».. ومنهم «فرخو» حيث قال: «إنه يتبين لنا من الواقع أن بين الإنسان والقرد فرقاً بعيداً، فلا يمكننا أن نحكم بأن الإنسان سلالة قرد أو غيره من البهائم، ولا يحسن أن نتفوه بذلك».. ومنهم «ميجرت» الذى قال: «إن مذهب «داروين» لا يمكن تأييده وإنه من آراء الصبيان»، ومنهم «هكسلى»، وهو صديق ل«داروين»، حيث قال: «إنه بموجب ما لنا من البيانات لم يثبت قط أن أى نوع من النباتات أو الحيوان نشأ بالانتخاب الطبيعى أو الانتخاب الصناعى». أما بالنسبة للقرآن الكريم فقد حسم الله سبحانه وتعالى كل هذه الأمور بين طيات كتابه المقدس «القرآن الكريم» بقوله: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ» (من سورة الحج).. وكذلك قوله عز وجل: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ». (الآيات من 12: 16 سورة المؤمنون). وكذلك قوله سبحانه وتعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ »، (الآيات من 26: 29 من سورة الحجر)، وفى سورة البقرة الآيات 30: 37 يحكى الله فى كتابه العزيز قصة الخلق وأمره للملائكة بالسجود لآدم وسجودهم عدا إبليس الذى كان من الغاوين.. وكذلك قوله سبحانه وتعالى: «مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً» والآيات كثيرة فى هذا المجال. وليسمح لى الصديق العزيز الدكتور خالد منتصر الذى نصَّب من «داروين» عبقرياً والذى جعل من نظريته القابلة للصواب والخطأ والتصديق والتكذيب مثلها مثل كل النظريات، حقيقة ثابتة ومثبتة، أن أسأله بصدق أيهما نصدق؛ الله الخالق وكتبه السماوية. أم «داروين» الذى كان يأكل الطعام ونظريته الفاسدة؟!! وكذلك أليس من معتقداتك التى تنادى بها عدم إقحام الدين فى العلم؟ أليس الأجدر كذلك عدم إقحام العلم فى الدين وثوابته؟ وإذا كنت تؤمن وتمارس حرية الفكر والتعبير لدرجة تمجيدك فى نظرية «داروين» الفاسدة، أليس من حرية الفكر والتعبير كذلك أن يكون لفضيلة شيخ الأزهر، من منطلق إيمانى وعقائدى، أن يتصدى لهذه النظرية الفاسدة والمفسدة؟ أليس ذلك من حقه، من منطلق مقتضيات منصبه الرفيع؟ ولماذا تطالب شيخ الأزهر بمراجعة تفاسير القرآن الكريم فى آيات الخلق، وهى آيات واضحة جلية لا تحتمل تفاسير مختلفة أو متباينة..؟ ولماذا ربطت بين القرآن الكريم وحكايات التوراة؟! عموماً بالنسبة لهذه الجزئية فقد نزلت التوراة وكذلك الإنجيل والقرآن من مشكاة واحدة وجميعها وجميع الكتب السماوية تؤكد رواية القرآن فى مسألة الخلق. ثم أليس هذا الكلام فى هذا التوقيت الذى ينتشر فيه الإلحاد بين الشباب الصغير «عن جهل» ليس توقيته الصحيح؟ وكذلك أليست نظرية عبقريِّك «داروين» هذه قد تمزقت إرباً على أيدى علماء أفذاذ؟ كذلك أحيطك علماً أيها الصديق العزيز أننى راجعت الكثير من الأطباء حول مقولتك إن الأنسولين والمضادات الحيوية وزرع الكبد والقلب هى نتاج لنظرية «داروين» فأنكروا واستنكروا هذا الادعاء تماماً.. وأكدوا أن هذه الاكتشافات إن هى إلا نتاج تطور علمى طبيعى ليس له أى علاقة بنظرية «داروين» الفاسدة. وصدق الله العظيم إذ يقول: «اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَكِيلٌ» (الزمر 62).. والذى يقول: «إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» (القمر 49).. والذى يقول: «مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً» (الكهف 5).. وصدق الله خالق كل شىء وربه ومليكه وصدقت كل كتبه وكذب عبقريُّك «داروين» ونظريته الفاسدة المفسدة.. وأتمنى ألا يفسد اختلافنا البين فى الرأى الود القائم بيننا. والله سبحانه وتعالى من وراء القصد..