تتكرر دائماً فى أدبيات السياسة والاقتصاد، خاصة بعد صعود تيار الإخوان المسلمين، عبارة سنطبق التجربة الماليزية والتركية وننقلها إلى مصر، ولكن هل بالخطب الإنشائية والبلاغة اللفظية والوعود الوردية والخطط الوهمية والشعارات الثعبانية ستستنسخ هذه التجارب الاقتصادية والسياسية المبهرة؟!، الإجابة أرسلتها لى د. رشا ماضى خبير تنمية الموارد البشرية وتطوير المؤسسات بأدنبرة - إنجلترا، تقول د. رشا فى رسالتها: عانت تركيا وماليزيا من نفس تحديات القطاع الحكومى فى مصر التى تلخصت فى التكدس الوظيفى للعمالة غير المدربة، فجوات هياكل الأجور للمستوى الواحد والمستويات المختلفة، بالإضافة إلى تردى الأداء الحكومى، ونجح كلا البلدين فى مواجهة هذه التحديات ليس بتعيينات المحاسيب والتسويف، وإنما بالعلم وجذب الخبرات التى أعادت تأهيل العاملين لإعادة توزيعهم على أقسام جديدة تم إنشاؤها لتقدم خدمات جديدة تحسن من أداء القطاع العام وتزيد من موارده المالية. خرج كلا البلدين من كابوس لا فعالية ومركزية الأجهزة الرقابية بأن خلقت أقساماً جديدة لمكافحة الفساد الإدارى داخل كل مؤسسة، ودربت موظفيها على استخدام أدوات القياس الحديثة لقياس الموارد والأصول وتقليل الفاقد والمهدر وتفعيل قوانين عدم تضارب المصالح. استلزم تطبيق مفهوم الشفافية أن تنشر كلتا الحكومتين معايير لجودة خدمات المواطنين على كل موقع مؤسسى إلكترونى، وخلقت أدوات تقييم لمحاسبة الموظفين على الالتزام بها، مما استدعى خلق أقسام داخل كل مؤسسة تعمل على متابعة تطبيق معايير جودة الأداء، وبخلق أقسام جديدة وثقافة جديدة وتوفير الدورات التدريبية انخفضت معدلات البطالة لما تطلبته هذه الأقسام من تعيينات بمهارات جديدة. يكمن سر نجاح آليات التطوير وارتفاع معدلات التنمية فى تركيا وماليزيا فى التأكيد على التخصصية، فلا يعمل بمجال من لا يفهم به، سواء بالدراسة أو الخبرة، مع توافر التدريب التحويلى لكل من أراد العمل بمجال جديد. عالج كلا البلدين مشكلة المظاهرات الفئوية بمراجعة هيكل الأجور لكل مؤسسة لتقليل الفجوات بما يتناسب مع موارد المؤسسة وطبيعة الوظيفة، إلى جانب خلق سياسات مالية تخصص جزءاً من الحوافز على أساس تقييم الأداء لتحسين تحقيق الأهداف الوظيفية، حيث ارتبط جزء من الزيادات بالإنتاجية، مما حفز العاملين على الانضمام لمنظومة التطوير والإقبال على الدورات التدريبية، فتحسن الأداء الاقتصادى وتحسن معه المستوى المعيشى للمواطنين التركى والماليزى. ابتعد الخطاب الجماهيرى لأردوغان ومهاتير عن الصيغ الإنشائية، وإنما ارتكز على صياغة الأهداف بأسلوب علمى يحدد أهدافاً اقتصادية تنموية رقمية يمكن قياسها والإطار الزمنى لتحقيقها وكيفية تطبيقها وتقييمها. فعلتها تركيا وماليزيا ليس بتغيير الإدارات والوجوه ولكن بإدارة التغيير فهل لنا أن نتعظ؟.