من ماضٍ سحيق ملىء بالكراهية والحقد والإرهاب، أتيتم تحملون شعار رسالة الإسلام التى تحمل معانى السلام والعدل والرحمة والحرية والقيم الإنسانية وتمارسون إجراماً حرمه الله على الناس جميعاً بقتل الأنفس البريئة، لم تراعوا حرمة النساء ولم تحترموا براءة الأطفال فاغتالت أيديكم المضرجة بالدماء آباءهم ونساءهم، وزرعتم الرعب فى قلوب الآمنين وحصدتم الرؤوس دون رحمة أو ضمير أو وازع من أخلاق أو دين. كيف أتيتم؟ ومن أى عصر قدمتم؟ هل أنتم الصورة المعدلة للتتار، أم أنتم من الخوارج؟! هل عقدتم صفقة مع الشيطان الأكبر وتابعه إسرائيل؟ هل هانت عليكم أوطانكم حتى أصبحتم معاول هدم وتدمير فى كل قطر عربى؟ هل سُلبت عقولكم وغابت ضمائركم فحصدتم الأوهام مقابل أرواحكم؟ هل تحققت لكم المتعة فى الدماء التى تريقونها وتزهقون بها أرواح الأبرياء؟! هل أنتم مستمتعون بملايين اللاجئين من السوريين والعراقيين والليبيين، أم أنكم تقومون بتحقيق أهداف إسرائيل من النيل إلى الفرات؟ وما الثمن الذى تأملون؟ وما الجائزة التى تنتظرون؟ لن تنالوا غير الخزى والعار يلاحقانكم فى الحياة الدنيا وعذاب أبدى فى نار جهنم وبئس المصير؛ فالله سبحانه يصفكم فى كتابه الكريم بقوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ * مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِى ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ» (البقرة: 8-18). ويؤكد سبحانه وتعالى نقضهم عهد الله بقوله: «الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ» (البقرة: 27). وأن الله سبحانه وتعالى قدر عليهم حكمه وأقر عليهم أمره بقوله تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (المائدة: 35). ذلك سوف يكون جزاءكم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة لكم عذاب عظيم بما اقترفت أيديكم الملوثة بدماء الأبرياء. لقد أتتكم فرصة الغفلة التى تعيشها الأقطار العربية واستغللتم انشغال الشقيق بالشقيق يقاتلون بعضهم بعضاً دون قضية ودون مبرر، اللهم إلا أن يكون تنفيذاً لمخطط غدر يريد لأمتنا تشرذماً وتمزيقاً من أجل أن تتحقق أهدافه الملعونة بالسيطرة على ثروات البترول وعائداته الضخمة يستعبدنا بثرواتنا ويحتل أراضينا باستغلالنا واستغفالنا بحجة حمايتنا من المجهول وهو يصنع الأعداء ويسلحهم ويدربهم من أجل أن يتمكن من ابتزاز قادتنا واستغلال حسن النوايا ليستطيع الذئب أن يقنع الحمل بصداقته ورعايته وحمايته، وللأسف الشديد بالرغم من تجاربنا المريرة معهم والكوارث التى صنعوها فى أوطاننا، بدءاً من إقامة دولة إسرائيل سنة 1948 وانتهاءً بتدمير سوريا وتشريد ملايين اللاجئين من أجل أن تظل إسرائيل آمنة فيما استباحته من أراضٍ وفيما سلبته من حقوق فى تمكين أمريكا والغرب فى استمرار عمليات السطو على مصالح الأمة العربية وليبقى الوطن العربى أسيراً على مر العصور مستغلاً مسلوب الإرادة ممزق الأوصال يعيش مغلول اليد ومعلول الجسد. وما «داعش وجبهة النصرة والجيش الحر والقاعدة» إلا أدوات صنعتها أياد شريرة فقدت كل الأخلاق والقيم النبيلة وجعلت مصالحها فوق كل الاعتبارات الإنسانية. وما نراه اليوم من استباحة لأرض العراقوسوريا من قِبل تلك العصابات الإجرامية لا يحرك ساكناً لدى قيادات العالم العربى، بل ما نراه هو استسلام كامل للكارثة وانتظار لغزوة الأشرار وأمل فى الذئاب التى وعدت بالذود عنا لتزيدنا رهقاً وتعاسة وتمزيقاً. وكانت الأمة العربية تنتظر هبَّة القيادات العربية لنجدة العراق واستدعاء وزراء الدفاع ورؤساء أركان القوات المسلحة فى الدول العربية فى اجتماع عاجل فى الجامعة العربية لتشكيل فرق عسكرية تنفيذاً لاتفاقية الدفاع المشترك تتعامل مع العصابات الإجرامية وتبيد وجودها وتعلمهم درساً لا يُنسى بأن الدول العربية قادرة على حماية مقدساتها وسيادتها، وإلا فما قيمة تلك الجيوش الجرارة مدججة بأحدث الأسلحة من طيران ومدفعية وصواريخ إذا لم يتم استخدامها فى وقتها فمتى ستستخدم؟ أو متى ستشعر القيادات العربية بوحدة المصير ووحدة التهديد لمستقبلها وأمن أبنائها؟ كيف مع القدرات العسكرية الهائلة المتاحة للدول العربية تنتظر السيد كيرى، وزير الخارجية الأمريكية، يتسول لدى الدول الغربية وغيرها للدفاع عن العراق وحمايتها مما يهدد أمنها واستقلالها؟ لقد ضاعت كرامة الأمة العربية واستهان بها أعداؤها عندما أصابها الهوان والاستسلام، فمتى تفيق أمتى من غفوتها؟ ومتى تسترجع شهامتها وكبرياءها؟ متى؟.. متى؟.. متى؟ وإنه لمن المؤسف أن تنساق الطبقات المثقفة من إعلاميين فى الفضائيات وفى الصحف المختلفة بالترويج للأعمال الهمجية ورؤية قطع الرؤوس والإعدامات ليشاهدها المواطن العربى لتروعه وتفزعه وتهيئ نفسه للاستسلام والخوف. ومن هنا، فإننى أتهم صراحة جميع وسائل الإعلام بالمشاركة فى ترويج الإجرام والإرهاب ومنحهما مساحة إعلامية ضخمة مجاناً تحقق للمجرمين الدعاية لكسب الأنصار، فمتى يفيق أبناء هذه الأمة من العبث بوجودها والتلاعب بمصير الملايين من أبناء أمتنا العربية؟ أما آن لنا من وقفة تأمل صادقة؟ إلى أين نحن سائرون؟ متى نفيق من غفوة طالت وآمال فى سبيل مستقبل مشرق استحالت وصيحات من المشردين تعالت فى كل قطر تنادى أمة العرب هبوا سراعاً قبل أن تساقوا نحو حتفكم أو تستعبدوا فى أراضيكم؟ فأمعنوا النظر من حولكم ولا تصدقوا قول الطامعين فيكم ولا تأمنوا لهم بموقف أو قول وراجعوا مواقفكم وتلاحموا جميعكم صفاً واحداً ولا تجعلوا أعداء الله يفرقون بينكم واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واجمعوا كلمتكم على المحبة والتعاون والدفاع المشترك فمصيركم واحد وعدوكم واحد ومستقبلكم مشترك، فلا يتصور من يحيط به الأعداء منكم أنكم بمعزل عن آثاره وأشراره. ومن قلب عربى مخلص يعتصره الألم على تمزق الأمة وتشرذمها، أدعو الله لقادة الأمة العربية أن يُبصرهم بطريق الوحدة والتعاون وحماية مصالح أمتنا، فى وحدة تصون ولا تبدد، تشد أزر الصديق وترد كيد العدو، تعادى من يعاديها وتسالم من يسالمها، تحمى استقلالها وتحافظ على أوطانها. والله المستعان.