تنتشر هذه الأيام نداءات ومحاولات لإقامة التحالفات والاندماجات السياسية بين الأحزاب من ناحية، وبين الشخصيات العامة والأحزاب من ناحيةٍ أخرى، وقد تولدت تلك الموجة من المحاولات بعد فوز مرشح جماعة الإخوان بمقعد رئاسة الجمهورية، واعتبر المواطنون والسياسيون معاً، أن هذا الفوز هو نتيجة مباشرة لتشرذم القوى السياسية الأخرى (المدنية اصطلاحا) وتفرقها، ووجود أكثر من مرشح فى مواجهة مرشح الإخوان، فى حين أنه لم يسأل أحد نفسه، لماذا لم يستطع أى من المرشحين أن يفرض نفسه ونجاحه على الجميع والإخوان معا؟! بات واضحاً أن الاندماجات والتحالفات (المتفرقة) التى تتشكل على سطح الخريطة السياسية تفتقد البوصلة الحقيقية! فها هو التحالف الشعبى، ثم تحالف الأمة المصرية، ثم اتحاد مصر القوية مع أحزاب الوسط الإسلامى، ثم حزب الدستور، ثم حزب مصر، وغيرها من التحالفات التى تجرى على أرضية الدولة المدنية، كل هذه التكوينات على مستوى التوجه تتصارع على نفس الجمهور وتخاطب نفس الناخبين، وعلى مستوى التكتيك فهذه التوزيعة تدعم القطبية بين الدينى واللا دينى، وتعزز تطوير عقلية الإسلام السياسى إلى استهداف التحالف القوى بالتكفير، ليبقى التحالف الضعيف فريسة لضعف الوجود القاعدى بين الناخبين. فيما يبدو أن الرسالة لم تصل لقادة العمل السياسى، أو أن قراءتها توقفت عند تكتيكات ومصالح انتخابية رئاسية مقبلة لبعضهم، فبدا ذلك الاتحاد (المتفرق) فى كيانات منعزلة شيئاً أشبه ما يكون بتأدية العبادات دون تدبر واعٍ لفقه التكليف! فالجماهير حينما تطلب الوحدة فهى تعطى إشارة خضراء لتحالف كل من هو على الضفة الأخرى من الإسلام السياسى، وهى أيضا تريد تمرير تيار وطنى جامع يقف متحداً فى مواجهة الحكم المستتر بالإسلام، والاستجابة تكون ببناء جبهة عريضة قوية من الأحزاب والتيارات والحركات والشخصيات العامة، جبهة تحوى كل ألوان الطيف السياسى الذى يخشى جبروت الدولة الدينية، التحالف هنا يجب أن يكون محوراه السياسى والانتخابى بقدر طموح الجماهير. ولعله من حسن الطالع أن قضية الدستور مثارة بقوة ورصد محاولة سرقته فى ليلة وضحاها بات جلياً واضحاً لذى عينين! هذه القضية الجبهوية من الممكن أن توحد أمماً بذاتها وليست أحزاباً فقط، فطغيان التيار الإسلامى وتذرعه بشرعية الانتخابات لا يقف أمامه إلا شرعية التوحد والاتحاد. إن الجماهير تبحث عن راية خفاقة وقوية تتشبث بها وتهرول وراءها، وليس من الممكن أو من المقبول أن تجد الجماهير ضالتها فى مرشحين من قلب النظام السابق ولا تجدها فى نخبتها السياسية العاملة على أرضية الثورة! فالمسئول عن ملايين الأصوات المهدرة التى تصوت ذعراً هم التيارات السياسية المدنية المذعورة من بعضها، فى حين أن غنائمهم الفردية لا تساوى حجم الجفاء والإقصاء المتبادل. إن منظومة العمل الحزبى المصرى ومن ثم التحالفات تحتاج لفقه النجاح والبناء وتكوين شبكات عمل قاعدية تتصل بالجماهير وتحقق مشروعات خدمية تشعر الناس بمشاركتهم مشاكلهم، أيضا نحتاج لثقافة التنافس الحزبى الشريف وقبول نجاحات البعض وعدم اعتبارها صكوك فشل للبعض الآخر، فالاتحاد الآن تحول من ظرف إلى واجب أملته الجماهير، لأن وجود الأحزاب فرادى فى مواجهة المنابر فى المساجد والفقر والأمية وهشاشة الثقافة واتساع القطر وتوغل الإخوان والسلفيين وعمق التأثير الاجتماعى للتيارات الدينية سيؤدى حتما لوقوع الدولة فى براثن الحكم الدينى الأوحد لعقود قادمة.. وهذا ما لا نرجوه للبلاد.