فى مراحل التغيير الثورى تزداد الشكوك فى كل الهيئات والمؤسسات بالدولة، والشك لا ينشأ من مجرد الرغبة فى التغيير وإنما لأن المؤسسات ارتكبت عبر سنوات ما راكم الشكوك فكل مؤسساتنا تحالفت مع النظام البالى ضدنا، ولعلنا نذكر أحاديث الناس عن أحزاب المعارضة (يا عم دول متفقين) أو (دول مقسمينها)، الأزهر دعمه بالفتاوى والقضاء الشامخ بالأحكام. فبعد الثورة بأسبوعين وبنفس القانون صدر حكم بأحقية حزب الوسط فى العمل السياسى، نفس المحكمة حكمت من قبل برفضه أربع مرات، إذن فالشك تجاه المؤسسات شعور عام لدى الشعب ولا تخص جماعة (الدين سياسيين) وحدهم. وعندما يقوم على التغيير من يسعون للحرية والعدل والحق والعلم فإنهم يمنحون بعض المؤسسات استقلالا مثل القضاء، لكن جماعات الدين السياسية (الإخوان والسلفيين) فى البرلمان تبدع الآن فى نهج جديد للاستبداد، وتتخذ شكوك الناس سبيلا لاستحواذها على السلطة، إذ خرجوا علينا بمشروع قانون ألا يصبح الأزهر المرجعية الوحيدة لنا، بل تشاركه جماعات أخرى -طبعا هم- المرجعية! الأزهر جامعة علمية يدرس العلوم وفق مناهج شاملة -وإن احتاجت مراجعة- ولقد مارستم جميعا العنف، قتلتم وحرقتم وقطعتم آذانا، ثم عدلتم عن أفعالكم بعد درس أو ضغط فماذا كان حال الأمة لو تبعتكم فى عنفكم؟ كانت قتّلت بعضها. ما العلم والمرجعية فى تحريم الخروج على الحاكم وبعدها بأسابيع تحللون؟ المرجعية لا يمكن تحصيلها بقانون، القصد ليس تطوير الأزهر بل سلب دوره ونفى الذى يتصدى به لخرافات لملء الأدمغة حتى يسهل الاستبداد بالسلطة، ثم خرجت العبقرية الدين سياسية بمشروع قانون آخر يمنع المحكمة الدستورية من أداء عملها الأساسى. ألم يتفوق هؤلاء على أسلافهم من المستبدين العظام بقطع رأس السلطة القضائية، وسلب المرجعية الدينية وانتهاز فرصة التغيير لقنص المؤسسات وتقنين الاستبداد؟ إن هذا المآل حتى ولو تراجعوا عنه يكشف فى حالة تأسيسية الدستور عن أهواء الاستبداد العربى الدينى القديم، وهى إن كانت لم تتحقق بعد، فإنها استطلاعات حرب.