"أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض".. مثل كان لسان حال أغلب بائعي ميدان الأوبرا بوسط القاهرة، وأمام حديقة الأوبرا الأثرية اليوم، وقف الباعة في الميدان، يتبادلون نظرات حائرة، يدركون أن وقت الحقيقة قد أتى، ينقلون بضاعتهم بسرعة خوفا من بطش قوات الأمن، التي طلبت منهم مغادرة الميدان بأسرع وقت. يجلس إبراهيم باشا على ظهر حصانه، يرفع رأسه عاليًا، يشير بإصبعه إلى حيث يتواجد الباعة الجائلون، على يسار ميدان الأوبرا، كأنه يلفت الانتباه إلى وجود خطأ حيث يشير بأصبعه إلى مكان تواجد الباعة الجائلين، وعلى هيئة تمثال صنعه الفنان الفرنسي "كورديية" ليخلد ذكراه، يظل إبراهيم باشا شاهدًا على ما حدث في ميدان الأوبرا من إخلاء للباعة اليوم. على مقربة من الباعة في ميدان الأوبرا، يقف زملائهم في مصدر الرزق، على بعد أمتار قليلة، يرفعون أصواتهم بأسماء بضائعهم، وفي طمأنينة، يقومون ببيعها إلى الزبائن، آمنين من غدر رجال الأمن من ترحيلهم إلى الترجمان، فهم تابعون إلى ميدان العتبة الذي لم يشمله قرار الإخلاء والترحيل إلى سوق الترجمان الجديد، وبين حسرات البعض على خسارة متوقعة، ولهفة آخرين على جمع بضائعهم بالأوبرا، يرتفع صوت بائعو العتبة بالقرب منهم ويعرضون بضائعهم في أمان. يقف سعيد فوزي، الشاب الثلاثيني، بالقرب من جراج الأوبرا بميدان العتبة، ينادي على زبائنه، يعرض إحدى الحقائب على زبون له، ليختبر جودتها، يبتسم لجميع المارة، وهو كله ثقة بأن قوات الأمن لن تفعلها معهم، "الأمن مش هيعرف يخلي ميدان العتبة لأن فيه بياعين كتير"، لكنه في الوقت نفسه يتعاطف مع زملائه الذين قامت قوات الأمن بإخلائهم، معتبرًا أن جراج العتبة لا يليق ولا يناسب الباعة. يعترف أن نوع من الظلم قد وقع على الباعة في ميدان الأوبرا، وأن بائعي العتبة كان يجب يقفوا بجوار بائعوا الأوبرا في أزمتهم.. "الدنيا دوارة وبكره هيجي علينا الدور.. كان لازم نقف جنبهم". على أطراف الميدان شاب لم يتجاوز العشرين من عمره، كان في السابق يقف بمسافة لا تبتعد أكثر من بضعة أمتار حيث يقف زميله سعيد، حتى جاءت قوات الأمن وقامت بإخلاء ميدان الأوبرا من الباعة، وبالرغم من قربه من ميدان العتبة، إلا أنه لا يستطيع أن يبيع أحذيته في هذا الميدان.. "ماليش أكل عيش في العتبة.. الباعة هناك هيطردوني لأني غريب عنهم"، كلمات تخرج من حلق الحسين فوزي، وهو يلهث بسبب مجهوده الذي بذله في نقل بضاعته. "المفروض كانوا يقفوا جنبنا ويتفاوضوا معانا مع الأمن"، كلمات يوجه بها سعيد اللوم، لزملائه من الباعة في العتبة، ويضيف: "الأرزاق بيد الله ومحدش بيقطع رزق حد.. بس هما هيتحطوا في الموقف ده قريب".