بدأ الزميل والصديق الأستاذ مجدى الجلاد، مبادراً ومغامراً كعادته، حين كتب مقاله الأول علي صفحات جريدة الوطن " أنا مكسوف "، وأتبعه بالثاني " وماذا بعد الكسوف "، تعمد الجلاد فى المقالين ودون مواربة الإقرار والإعتراف بمدي السوء الذى سيطر على إعلامنا وبالأخص بعض برامج التوك شو التي يمكن أن يقال عنها أي وصف بخلاف إنها منتجات إعلامية محترمة! اختار مجدي أن يدخل بإختياره وبإرادته ليسير فى حقل ألغام ملييء بنوعيات متعددة من العبوات الناسفة (طبعا عبوات معنوية وليست كالعبوات التي يستخدمها التكفيريون وأنصارهم)، فهو لم يعبأ بأنه هو شخصيا قد تناله ذات الإتهامات التي طالت كثير من أفراد كتيبة الإعلام المرئي، فهو واحد من مقدمي تلك البرامج، وربما يكون أدائه التلفزيوني لا يعجب كيان أوفئة من فئات المجتمع. أيضا أعلن مجدي عدم إكتراثه بردود الفعل التي ستصدر عما كتب، خصوصا من زملاء تربطه بهم، وبلا أدني شك، علاقات زمالة وصداقة وخواطر وعشرة، وبذات الإقدام لم يتحسب الجلاد للغضب الذى حتماً سيصاب به الكثير من ملاك الفضائيات! .. وأكد الجلاد فى مقاله الأول إنه مستعد لكل التبعات مهما كانت، وقال بنص العبارة " أعرف أن كثيراً من الزملاء الإعلاميين سوف يغضبون من شهادتي تلك.. غير أننى لا أكترث لغضبٍ على جثة وطن ". إنني لا أكتب هذه الكلمات مجاملة لمجدي الجلاد، ولا شكرا على دعوته الكريمة لي عبر الصديق العزيز الصحفي القدير سامي عبد الراضي للإدلاء بما قد يكون لدي من أراء فى هذه القضية على صفحات وموقع جريدة الوطن، على العكس إنني أري بعد توجيه الشكر علي مبادرته بالكتابة بهذه المصارحة أري أن ما فعله مجدي الجلاد وما كتب ليس كافيا، وأحسبه أقل القليل الذى يتوجب عليه أن يفعله، وأري إنه يجب أن لا يكون إقدامه علي إقتحام هذه القضية قاصر على كتابة مقال أو أكثر يعدد فيه أوجه القصور أو السلبيات، فهي أمور ظاهرة وواضحة للعيان ومنذ فترة ليست بالقصيرة، وأقول له يا صديقي لا يكفي إعلان الكسوف، وللإمانة والإنصاف أنا لا ألقي بتبعات مواجهة حالة الإنفلات والتسيب الإعلامي على كاهل مجدي الجلاد بمفرده، ولكنه هو الذى بادر وغامر، فليتحمل وأعلم إنه لن يتبرم! وأقول لمجدي الجلاد يا صديقي العزيز .. أطالبك ومن يتطوع من الزملاء والمتخصصين والخبراء بالمسارعة بالبدء فيما يمكن أن نسميه أو نطلق عليه مثلا " حملة لإعادة بناء وتنظيم وسائل الأعلام " أو شيىء من هذا القبيل، المسمي ليس هو المشكلة، إذا لا يستساغ أن نظل كإعلاميين نردد ليل نهار مطالبات بإعادة بناء الدولة وأجهزتها المختلفة، ولا نكترث أو نهتم بالمبادرة بالعمل الجاد لإعادة بناء وتنظيم وسائل الإعلام، خصوصا وأن أي مدرك لخطورة المرحلة التي تمر بها مصر، يدرك أن الإعلام هو الجهاز الأولي بالتنظيم وإعادة البناء، كي يمارس ادواره المتعددة فى خدمة المجتمع ومعاونته على التعافي وعبور المرحلة الانتقالية بسلام وامان، ليس هذا فحسب ، بل لدي قناعات راسخة بأن إعادة بناء وتنظيم الإعلام علي أسس سليمة سيكون عاملا مهما فى إختصار كثير من الوقت والجهد فى إنجاز عملية إعادة بناء الوطن. صديقي العزيز.. تعلم كما أعلم، أن إعلامنا، وبالأخص المرئي، نما وتوسع بشكل عشوائي فى مجمله، نما وتوسع بمبادرات منها ما هو طيب ومنها ما هو غير ذلك، ومن بين يعملون به من يراعي المهنية والضوابط المجتمعية والأخلاقية، ومنهم من لا يراعي، وبعيدا عن إلقاء التهم والادعاء بوجود نظرية مؤامرة أو ما شابه، دعنا نعتقد أو نجزم أن الكثير من المتجاوزين إعلاميا من كافة الأطقم العاملة فى البرامج المشار إليها ليست لديهم الخبرة الكافية أو الإضطلاع التام بأبجديات العمل الإعلامي المرئي، ومنهم من يفضل المجد الشخصي والمكسب المادي على متطلبات المهنة ومنهم من أسكرته الشهرة والإنتشار الواسع، كما أسلفت في مقالك، ما أصاب كثيرين منهم بالصمم وعدم الإعتراف بأنهم في حاجة الي مراجعة مع النفس، وفي حاجة الي تصويب! " المهنية ".. هي الكلمة السحرية الضامنة لأداء منضبط ولمنتج إعلامي جيد نافع، ورغم أن هذه الكلمة قليلة فى عدد حروفها إلا إنها متداخلة المعاني والمعايير والأسس، وليس بمستحيل أن نجعلها واقعاً ملموساً وقائما كي تكون هادياً وسبيلاً لخطي إعادة بناء وتنظيم الإعلام، ولتكن البداية بالدعوة إلى تشكيل كيان عام يضم كل العناصر البشرية المرتبطة بالعملية الإعلامية، وفى اطار مواز تُدعي مجموعات منتقاه من أصحاب الخبرات القانونية والإقتصادية والإعلامية المختلفة الأكاديمية والعملية .. هذان الكيانان مطلوب منهما وضع إطار عام ينظم كافة الأمور المرتبطة بالعملية الإعلامية، بدء من فصل الملكية عن الإدارة، مروراً بالشفافية اللازم توافرها فى كافة الممارسات الإعلامية والإعلانية، ومرورا أيضا بوجوب التأكد من تأهيل كافة الكوادر العاملة فى المجال، وغيرها .. وغيرها .. وإنتهاء بضوابط حاكمة للأداء الإعلامي وما يقدم للناس على الشاشات، ولا بأس من ان تكون هناك فترة إنتقالية محددة بوقت معين، يتم خلالها توفيق أوضاع كافة الكيانات القائمة، وفق الضوابط التي يتم الإتفاق والتوافق عليها بين أهل المهنة.