التقديم مفتوح في المعاهد الصحية العسكرية 2025 للطلاب والطالبات.. تفاصيل وشروط القبول    أستاذ مناهج يُطالب بتطوير التعليم الفني: له دور كبير في إحداث التنمية (فيديو)    سعر الذهب في مصر اليوم الأحد 20-7-2025 مع بداية التعاملات    العشائر السورية: انسحبنا من السويداء امتثالا لوقف إطلاق النار وأي خرق سيقابل برد قاس    في يوم واحد.. 131 شهيدًا جراء غارات الاحتلال على قطاع غزة    الدفاعات الجوية الروسية تُدمر 15 طائرة مسيرة أوكرانيا    عمرو حمزاوي: الشرق الأوسط يعيش «مغامراتية عسكرية».. والقوة لن تحقق الأمن لإسرائيل    مصدر يكشف لمصراوي التفاصيل المالية لانتقال وسام أبو علي إلى كولومبوس الأمريكي    آخر أخبار نتيجة الثانوية العامة 2025 و«التعليم» تكشف التفاصيل    متحدث التعليم: فرصة التحسين في البكالوريا اختيارية ورسومها 200 جنيه فقط    استقالة الرئيس التنفيذي لشركة أسترونومر بعد جدل فيديو حفل كولدبلاي    توقعات الأبراج حظك اليوم الأحد 20 يوليو 2025.. طاقات إيجابية وتحولات حاسمة بانتظار البعض    أحمد شاكر: اختفيت عمدا عن الدراما «مش دي مصر».. وتوجيهات الرئيس السيسي أثلجت صدر الجمهور المصري    ب9 آلاف مواطن.. مستقبل وطن يبدأ أولى مؤتمراته للشيوخ بكفر الزيات    لمواجهة الإعصار "ويفا".. الصين تصدر إنذارًا باللون الأصفر    أحمد شاكر عن فيديو تقليده لترامب: تحدٍ فني جديد وتجربة غير مألوفة (فيديو)    في حفل سيدي حنيش.. عمرو دياب يشعل المسرح ب"بابا"    موعد بداية شهر صفر 1447ه.. وأفضل الأدعية المستحبة لاستقباله    دعاء الفجر | اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك    العلاقات المصرية الإفريقية.. رؤية استراتيجية متجددة    تراجع جاذبية ودائع «المركزى» يعيد رسم توجهات السيولة بالبنوك    سعر طن الحديد والأسمنت اليوم في مصر بعد هبوط كبير تجاوز ال1300 جنيه    اليوم محاكمة 12 متهمًا في قضية «رشوة وزارة الري»    «دماغه متسوحة.. وطير عربيتين ب 50 مليون».. مجدي عبدالغني يشن هجومًا ناريًا على أحمد فتوح    «اتباع بأقل من مطالب الأهلي».. خالد الغندور يكشف مفاجأة عن صفقة وسام أبوعلي    لويس دياز يبلغ ليفربول برغبته في الانتقال إلى بايرن ميونيخ    "عنبر الموت".. شهادات مروعة ..إضراب جماعي ل 30قيادة إخوانية وسنوات من العزل والتنكيل    ماركا: بعد تجديد كورتوا.. موقف لونين من الرحيل عن ريال مدريد    نجم الزمالك السابق: عبدالله السعيد يستطيع السيطرة على غرفة الملابس    «احترم النادي وجماهير».. رسالة نارية من نجم الزمالك السابق ل فتوح    جولة تفقدية لرئيس جامعة القناة على شئون التعليم والطلاب    وزارة العمل تعلن عن 90 وظيفة براتب 8 آلاف جنيه | تفاصيل    الكونغو الديمقراطية و«إم 23» توقعان اتفاقًا لوقف إطلاق النار    مصرع 3 أطفال غرقا داخل حوض مياه بمزرعة بصحراوى البحيرة    حالة الطقس اليوم الأحد في مصر.. «الأرصاد» تحذر من الشبورة وأمطار خفيفة على هذه المناطق    "روحهم كانت في بعض".. وفاة شخص أثناء محاولته اللحاق بجنازة والدته ببني سويف    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب شمال إيران    ضبط 3 وقائع في أقل من 48 ساعة.. الداخلية تتحرك سريعًا لحماية الشارع    علاء مبارك يرد على ساويرس: عمر سليمان «كان رجل بمعنى الكلمة»    مفتي الجمهورية ينعى الأمير الوليد بن خالد بن طلال آل سعود    سوريا أكبر من الشرع!    خلال 24 ساعة.. 133 شهيدًا ضحايا العدوان الصهيوني على غزة    سعر الخوخ والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 20 يوليو 2025    حنان ماضى تعيد للجمهور الحنين لحقبة التسعينيات بحفل «صيف الأوبر» (صور و تفاصيل)    الملاك والمستأجرون وجها لوجه في انتظار قانون الإيجار القديم    هيئة الطرق والكباري ترد على شائعة توقف العمل بكوبري الميمون ببني سويف    تجنبها ضروري للوقاية من الألم.. أكثر الأطعمة ضرراً لمرضى القولون العصبي    هل يؤثر إضافة السكر الطبيعي على كوكاكولا؟ رد رسمي على تصريحات ترامب    شائعة بين المراهقين وتسبب تلف في الكلى.. أخطر أضرار مشروبات الطاقة    ب"فستان جريء".. أحدث جلسة تصوير ل جوري بكر والجمهور يغازلها    حدث بالفن | رقص هيدي كرم وزينة في الساحل وتعليق أنغام على أزمتها الصحية    محمد ربيعة: عقليتى تغيرت بعد انضمامى لمنتخب مصر.. وهذا سبب تسميتى ب"ربيعة"    قافلة بيطرية من جامعة المنوفية تفحص 4000 رأس ماشية بقرية مليج    غلق 6 مطاعم فى رأس البر بعد ضبط أطعمة منتهية الصلاحية    «قولي وداعًا للقشرة».. حلول طبيعية وطبية تمنحك فروة صحية    بلغة الإشارة.. الجامع الأزهر يوضح أسباب الهجرة النبوية    أمين الفتوى: الرضاعة تجعل الشخص أخًا لأبناء المرضعة وليس خالًا لهم    هل يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها إلى زوجها الفقير؟.. محمد علي يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملكة الرياضيات
نشر في الوطن يوم 18 - 08 - 2014

وفى يوم الأربعاء الماضي (13 أغسطس 2014م) دخلت "مريم ميرزخاني" عالمة الرياضيات الإيرانية، والأستاذة بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا، التاريخ من أوسع أبوابه كأول امرأة تحصل على اهم وأكبر جائزة في الرياضيات، وهي جائزة "ميدالية فيلدز"، وهو إنجاز يعادل جائزة "نوبل"، كما أنه حدث طال انتظاره في هذا المجال العلمي المعقد. وتعتبر "مريم" أول امرأة من بين 56 فائزا بهذه الجائزة، منذ تأسيسها، وشاركها ثلاثة علماء فازوا بالجائزة في المؤتمر الدولي للرياضيات الذي عقد في "سيول"، وتوجتها رئيسة كوريا الجنوبية "باك جون هاي" بتاج الجائزة لأول مرة في التاريخ، وتعتبر هذه الجائزة حافزاً لشباب العلماء لتطوير بحوثهم والتوسع فيها ودافعاً قوياً لبذل الجهود للتنافس بين العلماء لتقديم خدماتهم للبشرية جمعاء، وهي رسالة سامية تؤكد على أن الإنجاز الفكري ليس له حدود.
لم يخطئ أمير الرياضيات العالم "كارل فريدريش جاوس" عندما أطلق مقولته الشهيرة «إذا كانت الرياضيات ملكة العلوم فإن نظرية الأعداد هي ملكة الرياضيات» إلا أن الملكة المتوجة اليوم على عرش الرياضيات هي "مريم ميرزخاني" التي نالت الجائزة تقديرا لعملها في "فهم تناظري الأسطح المنحنية"، وتتناول بحوثها أشكالا يطلق عليها اسم "سطوح ريمان"، وهي مواد رياضية يمكن تحليلها باستخدام الأعداد المركبة. كما حصل ثلاثة رجال آخرين على نفس الجائزة.
وأثار حصول "مريم" على الجائزة ردود أفعال مثيرة وقوية حول العالم، وأظهر فرحة كبيرة خاصة بين النساء العاملات في نفس المجال العلمي، إلا أن هذه الفرحة كان يشوبها بعض الأحزان، نتيجة لإثارة بعض الحقائق الكاشفة عن بعض ما تواجهه النساء في هذا المجال العلمي الصعب. وقالت "دام فرانسيس كيروان"، عضوة لجنة اختيار الحائزين على الميدالية من جامعة أكسفورد، إنه على الرغم من أن البعض يرى أن هذا المجال "قاصر على الرجال"، فإن النساء يساهمن في الرياضيات على مدى قرون. وأشارت إلى أن النساء يشكلن نحو 40 في المئة من الطلاب الجامعيين الذين يدرسون الرياضيات في المملكة المتحدة، غير أن هذه النسبة تنخفض عند مستوى الدكتوراه وما بعدها. وأضافت: "آمل أن تلهم هذه الجائزة الكثير من الفتيات والشابات في هذا البلد وفي جميع أنحاء العالم للإيمان بقدراتهن وأن يضعن أمام أعينهن هدف الحصول على جائزة "فيلدز" في المستقبل".
وأعربت "أليسون إثريدج"، المحاضرة في مجال الرياضيات التطبيقية بجامعة أكسفورد، عن سعادتها الغامرة بحصول "مريم" على الجائزة. وقالت: "المرأة تقوم بعمل جيد في الرياضيات الآن، وهذه الجائزة ما هي إلا تتويج لهذا العمل. وسوف يلهب هذا خيال الجمهور، ونتيجة لذلك أعتقد أنه قد يؤثر في الجيل الجديد".
ووصل الأمر إلى أن الرئيس الإيراني "حسن روحاني" خرق المحظور عبر تسجيله سابقة بتهنئته "مريم" عالمة الرياضيات الإيرانية عبر "تويتر" وغرد الرئيس برسالة عبر لها فيها عن فرحه بالنبأ، وكتب: "مبروك مريم ميرزخاني لكونك أصبحت أول امرأة تفوز على الإطلاق بجائزة ميدالية فيلدز"، جاعلة كل الإيرانيين فخورين". وجاءت المفاجأة حين أرفق الرئيس الرسالة صورة لها من نصفين تظهر في نصفها بالحجاب، وفي النصف الثاني بدونه. وتم إعادة نشر الصورة أكثر من 3 آلاف مرة، وأثارت موجة تعليقات واسعة. وانتقد البعض الخطوة واعتبرها "نفاقاً" لأن النساء في إيران يمنعن بشكل متزايد من الخوض في عدة تخصصات جامعية!
ولدت "مريم ميرزاخاني" (37 عاما) عام 1977 بمدينة طهران، وكان لديها حلم بأن تصبح كاتبة في سنواتها الأولى، لكنها اختارت متابعة حل المسائل الرياضية. وأثناء طفولتها حكى لها شقيقها الأكبر عن حكاية عن عالم الرياضيات "كارل فريدريش جاوس"، وكيف أنه كتلميذ، حل مسألة رياضية صعبة في ثوان. لم تستطيع حل المسالة، في ذلك الوقت، ولكن عندما شرح لها حل المسألة انبهرت بشدة، ووقعت في غرام هذا العلم وألهبت هذه الحكاية خيالها، ونشأت علاقة حب بينها وبين الرياضيات، جلبت لها في النهاية "ميدالية فيلدز".
وقد ظهر نبوغها المبكر في سن صغير حيث حصلت على الاعتراف الدولي وهي في المرحلة الثانوية بعد تلقي الميداليات الذهبية في كل من أولمبياد الرياضيات الدولي والتي أقيمت في "هونج كونج" 1994 وحصلت على 41 نقطة من 42، وأولمبياد الرياضيات العالمي وهي أولمبياد رياضيات سنوي مكون من 42 نقطة على ستة أسئلة للطلبة قبل المرحلة الجامعية وهي أقدم أولمبياد علوم عالمي، وفي الأولمبياد الدولي للرياضيات (كندا 1995) حصلت على الدرجة الكاملة 42 نقطة من أصل 42 نقطة، لتحتل المرتبة الأولى.
بدأت "مريم" تعليمها الثانوي في مدرسة "فازنجين" والتحقت بالمنظمة الوطنية لتنمية المواهب الاستثنائية في طهران. ثم حصلت على بكالوريوس في الرياضيات من جامعة "شريف" التكنولوجية في طهران. ثم حصلت على الدكتوراه من جامعة "هارفارد" سنة 2004، تحت إشراف "كورتيس مكمولن" الحاصل على "ميدالية فيلدز" أيضا. وكانت "مريم" باحثة معهد "كلاي" للرياضيات وأستاذة مشاركة في جامعة "برنستون" سنة 2004. وخلال عام 2008 تم تعينها أستاذة بجامعة "ستانفورد" في ولاية كاليفورنيا الأمريكية.
وكانت "مريم" معروفة بعملها في تطوير مفهوم تناسب الأسطح المنحنية، وهي متخصصة في الرياضيات الهندسية للأشكال غير التقليدية، وفي البحث عن وسائل جديدة لتحديد أحجام المساحات المنحنية. وساهمت في العديد من النظريات حول سطح "ريمان"، وهي متخصصة في الرياضيات الهندسية للأشكال غير التقليدية. ويوجد أهمية وتأثير كبير لأبحاثها على كثير من المجالات مثل، هندسة وعلوم المواد، ميكانيكا الكم، الفيزياء النظرية كما لها انعكاس على نظريات نشأة الكون. وسبق أن حصلت على جائزة "بلومنتال" للتقدم في الأبحاث في مجال الرياضيات البحتة عام 2009، وجائزة "ساتر" التي تمنحها الجمعية الأميركية للرياضيات، في العام 2013.
ونقل موقع جامعة ستانفورد على الإنترنت عن مريم قولها: "هذا شرف كبير. سأكون سعيدة إذا شجع هذا عالمات الرياضيات الشابات". وأضافت: "أنا متأكدة من فوز مزيد من النساء بمثل هذه الجائزة في الأعوام المقبلة". وعبّرت "مريم" عن سعادتها بهذا الشرف العظيم، وهي تأمل أيضا أن يشجع فوزها صغار عالمات الرياضيات الإناث، كما قالت أيضا أنها واثقة أنه سيكون هناك العديد من النساء اللاتي سيفزن بهذا النوع من الجوائز في السنوات المقبلة.
وتاريخ "مريم" حافل بالنجاحات، وهي مازالت شابة، وقالت إن الأمر يمثل متعة بالنسبة لها، مثل حل الألغاز أو ربط النقاط في الجرائم الجنائية، وكانت حازمة في مسعاها أن تفعل شيئا في هذا المجال، ومن أجل ذلك واصلت هذا الطريق.
ويحكى أستاذها في "هارفارد" أنها كانت تأتي إليه مرارا في مكتبه لتناقشه في مجال تخصصها وأنه كان يراها تدون ملاحظاتها باللغة الفارسية، اللغة الأم لها، وقد يفتح هذا النجاح باب الجدل من جديد حول تعريب العلوم وتعلم العلوم باللغة الأم، والمثل الذي ضربته مريم يؤكد أن دراسة العلوم باللغة الأم لا يقلل من قدرة الخريجين على المنافسة على أعلى وأرقى الجوائز العالمية، وبالطبع الأهم هو مواكبة المقررات الدراسية للمناهج الدراسية العالمية.
ومن المعروف أن الرياضيات هي لغة العلوم، ولا تكتمل العلوم إلا عندما نحول نتائجها إلى معادلات ونحول ثوابتها إلى خطوط بيانية، وللرياضيات دور بارز في علوم الفيزياء والكيمياء والأحياء (البيولوجيا)، فضلاً عن دورها المتميز في العلوم الإنسانية. وتعرف الرياضيات بأنها دراسة القياس والحساب والهندسة، هذا بالإضافة إلى المفاهيم الحديثة نسبياً ومنها البنية، الفضاء أو الفراغ، والتغير والأبعاد. وبشكل عام قد يعرفها البعض على أنها دراسة البنى المجردة باستخدام المنطق والبراهين الرياضية والتدوين الرياضي. وبشكل أكثر عمومية، قد تعرف الرياضيات أيضاً على أنها دراسة الأعداد وأنماطها.
ولقد نشأت الرياضيات بقيام الإنسان بقياس ما يشاهده من ظواهر الطبيعة بناء على اهتمامه بقياس كل ما حوله إلى جانب احتياجاته العملية، وغالبا ما يعود أصل البنى الرياضية إلى العلوم الطبيعية، وخاصة علم الطبيعة، ولكن الرياضيين يقومون بتعريف ودراسة بنى أخرى لأغراض رياضية بحتة، لأن هذه البنى قد توفر تعميما لحقول أخرى من الرياضيات مثلا، أو أن تكون عاملا مساعدا في حسابات معينة، وأخيرا فإن الرياضيين قد يدرسون حقولا معينة من الرياضيات لتحمسهم لها، معتبرين أن الرياضيات هي فن وليس علما تطبيقيا.
وبالرغم من أهمية الرياضيات لجميع العلوم إلا أنه لا توجد جائزة للرياضيات في جوائز "نوبل" الشهيرة. ولهذا فقد كان لعالم الرياضيات الكندي "جون تشارلز فيلدز" دور مهم في تأسيس أكبر جائزة في الرياضيات وهي "ميدالية فيلدز"، المعروفة بالميدالية الدولية للاكتشافات فائقة التميز في الرياضيات، وهي الجائزة الأكثر أهمية على مستوى العالم وتعادل جائزة "نوبل" في حقل الرياضيات، ولهذا توصف "ميدالية فيلدز" بكونها "جائزة نوبل لعلماء الرياضيات"، وذلك لما تحمله من مكانة.
وقام "فيلدز" بتصميم الميدالية نفسها، وكذلك تمويل الجزء المالي منها. وبالطبع سميت الجائزة باسمه تقديرا لدوره في تأسيس هذه الجائزة، ووصل شقها المالي بداية من عام 2006 إلى 15 ألف دولار كندي. وتمنح هذه الجائزة مرة كل أربع سنوات إلى اثنان أو ثلاثة أو أربعة لمن قدم إنجازاً من علماء الرياضيات الذين لا يتعدى عمر الواحد منهم الأربعين عاما، مهما كان حجم الإنجاز، وذلك لتشجيع الشباب على الإنجاز في عالم الرياضيات، وذلك خلال كل مؤتمر دولي للاتحاد الدولي للرياضيات، وهو حدث ينعقد كل أربعة أعوام، بعد اجتماع لمجموعة من علماء الرياضيات.
وتختلف "ميدالية فيلدز" عن جائزة "نوبل" في كونها تمنح كل أربعة أعوام. كما أن هناك شرط السن والذي يحدد منح الميدالية: فيجب ألا يتعدى عمر متلقيها الأربعين عاماً قبل الأول من يناير في العام الذي تمنح فيه "ميدالية فيلدز". ونتيجة لذلك، لم تمنح الجائزة لعدد من كبار الرياضيين الذين حققوا إنجازات (أو نالوا تقديراً) في وقت متأخر من حياتهم. وقد جاء تحديد السن بناءً على رغبة فيلدز: "...في حين أنه كان تقديرا لعمل قد تم بالفعل، غير أن المقصد في نفس الوقت هو تشجيع لأجل مزيد من الإنجاز لمن يستحقها وتحفيزاً لغيره على تجديد الجهد". وتقل القيمة النقدية للجائزة كثيراً عن قيمة جائزة "نوبل" البالغة 1.5 مليون دولار. كما أن بقية الجوائز الكبرى في الرياضيات، من قبيل ميدالية "تشيرن"، وجائزة "أبيل" تحدد قيمة مالية كبيرة مقاربة لجائزة "نوبل". وجائزة "أبيل" الأحدث نسبياً، هي جائزة دولية تمنحها سنوياً الأكاديمية النرويجية للعلوم، وقد استمدت اسمها من اسم العالم النرويجي "نيلس هنريك أبيل" ومنحت أول مرة في عام 2002 بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد "نيلس آبل"، وتعد من أكبر الجوائز التي تمنح في حقل الرياضيات بقيمتها المالية التي وصلت لأكثر من مليون دولار في العام 2008.
وقد منحت "ميدالية فيلدز" للمرة الأولى في العام 1936 إلى عالم الرياضيات الفنلندي "لارس أهلفورس" وعالم الرياضيات الأميركي "جيسي دوجلاس"، ومنذ العام 1950 صارت تمنح كل أربعة أعوام. وتهدف الجائزة إلى إبداء التقدير وتقديم الدعم إلى شباب الباحثين في الرياضيات والذين قدموا بدورهم إسهامات يعتد بها. وقد منحت الجائزة أربعة عشر مرة منذ البدء فيها، وقد نال الجائزة 56 شاباً من علماء الرياضيات. وفى جائزة هذا العام حصل ثلاثة رجال آخرين على الجائزة وهم "ارتور افيلا" من المركز الوطني لبحوث العلوم في فرنسا والمعهد الوطني البرازيلي للرياضيات البحتة والتطبيقية، و"مانجول بارجافا" من جامعة برينستاون، و"مارتين هايرر" من جامعة وارويك في بريطانيا. ومن أهم الجوانب الإيجابية لهذا العام هو أن إثنين من الفائزين بالجائزة تعلموا في بلدان نامية، "مريم ميرزاخاني"، والتي تعلمت في إيران و"أرتور أفيلا" الذي حصل على البكالوريوس والدكتوراه من البرازيل. ويكتسب هذا الفوز أهمية لكونها المرة الأولى التي تكون الجائزة فيه من نصيب امرأة، عدا عن أن علم الرياضيات ما زال حتى اليوم مجالا يهيمن عليه الرجال.
ولكن لماذا تأخر الاعتراف بتفوق النساء في الرياضيات إلى هذا الوقت على الرغم من أن ما يقرب من نصف الطلاب الجامعيين في علوم الرياضيات الآن من النساء؟ وأخيرا، وبعد أكثر من 50 من الذكور، تبوأت امرأة في النهاية عرش جائزة "ميدالية فيلدز"، وعلى الرغم من أن إنجازات جميع الحاصلين على الميدالية تفوق إنجازات جميع أندادهم في مجال دراستهم تقريبا، وأن معظمهم كان لديه موهبة فطرية، فإن الباحثين لا يرون أن هناك اختلافا تشريحيا ملحوظا في قدرات النساء العقلية يؤدى إلى هذا الفارق الهائل والاحتمالات الفلكية لحصول المرأة على "ميدالية فيلدز" مقارنة بالرجال. وعلى سبيل المثال، هناك أدلة على أن النساء ذوات المهارات الرياضية الممتازة من المحتمل أيضا أن تكون مهاراتهن اللفظية ممتازة، والتي هي أقل من ذلك عند نظرائهن من الرجال، ولذلك لديهن مجموعة أكبر من فرص الحياة، وهناك بالطبع عوامل اجتماعية أخرى، أيضا، مثل حمل المرأة ورعايتها لأطفالها، وغيرها من المسؤوليات الاجتماعية الأخرى التي أن يمكن تؤثر على النساء أكثر من الرجال في حياتهن المهنية.
ويؤكد تاريخ "مريم" المهني أن توفر حياة مهنية ناجحة لها ووجود درجة عالية من الدعم من معلميها فضلا عن توفير أساتذتها الجامعيين الإرشاد الأكاديمي لها، وتشجيعها، وترتيب دعوات لها للتحدث في ندوات وورش عمل، في بداية تاريخها الوظيفي، كانت هي الطريقة المناسبة لتألق وازدهار عالمة الرياضيات الشابة، وتحسين فرصتها في الحصول على منصب أكاديمي في جامعة رائدة في العالم. وخلال السنوات الأخيرة كان هناك جهد متواصل من قبل مجتمع الرياضيات لدعم المرأة على جميع المستويات. وجائزة "مريم" هي دليل ملموس على أنها تؤتي ثمارها بالفعل. مبروك لعالمة الرياضيات الشابة "مريم ميرزخانى" وهي بالفعل شرفت بلدها إيران، وستكون مثلا رائعا للنساء يحتذى به حول العالم، وأطيب الأمنيات لها بدوام التفوق والنجاح. ولكن يظل هناك سؤال بلا إجابة وهو: هل يشكل نجاح مريم نقطة تحول في معركة النساء للحصول على مزيد من الجوائز ومزيد من الاعتراف في مجال علوم الرياضيات؟ ... هذا بالطبع ما ستجيب عليه السنوات القادمة.
* أستاذ التقنية الحيوية المساعد كلية العلوم والآداب ببلجرشي جامعة الباحة-المملكة العربية السعودية.متخصص في الوراثة الجزيئية والتكنولوجيا الحيوية-قسم النبات والميكروبيولوجي، كلية العلوم، جامعة القاهرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.