«أصبح من الصعب علىّ أن أستمر فى حمل مسئولية قطرة واحدة من الدماء أمام الله، ثم أمام ضميرى»، هكذا كتب الدكتور محمد البرادعى فى استقالته من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية للشئون الخارجية، التى تقدّم بها فى نفس اليوم الذى بدأت فيه السلطات المصرية فض اعتصامى رابعة العدوية وميدان نهضة مصر، اللذين تحصن بهما «الإخوان» اعتراضاً على عزل القوات المسلحة الرئيس الأسبق محمد مرسى، استجابة لمطالب الجماهير فى 30 يونيو قبل الماضى، وهى الاستقالة التى اعتبرها الكثيرون محاولة من البرادعى للقفز من السفينة، قبل أن تغرق بمن فيها وما فيها، ليرحل المدير العام السابق لوكالة الطاقة الذرية، عن مصر فى نفس الشهر الذى استقال فيه، فيغيب فى بلاد الله، ويختفى من المشهد السياسى المصرى لعام كامل. «البرادعى» الذى اعتاد الشارع المصرى صمته منذ رحيله، لا يتوقف عن التغريد على صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعى «تويتر»، تغريدات قليلة لا تتناسب أبداً مع ما تعود «البرادعى» أن يطلقه منذ بداية ظهوره على الساحة السياسية فى مصر قبل أكثر من خمسة أعوام، وقتها وقف خلفه قطاع عريض من الشباب، لا سيما أنه كان يُبشر بالثورة المقبلة، الأمر الذى جعل الشباب يرفعونه إلى مصاف القديسين، فيما شكّلوا هم مجموعة المريدين. على أن استقالة «البرادعى» التى جاءت اعتراضاً على فض الاعتصامين، لم تتوافق مع ما قاله «البرادعى» نفسه خلال المؤتمر الذى عقده مع الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبى، كاترين أشتون، قبل أيام من فض الاعتصام، حينما قال: «فض اعتصام مؤيدى الرئيس المعزول صار أزمة حقيقية فى حالة رفض المعتصمين للحل السياسى، فلا سبيل أمامنا سوى الحل الأمنى»، ومع بدء الفض الأمنى بعد أكثر من شهرين فى محاولات حل الأزمة، خرج باستقالته سريعاً دون التشاور مع أحد، وسافر مع أول رحلة تتجه إلى العاصمة النمساوية. بدأ «البرادعى» دعوته إلى التغيير داخل مصر، بينما كان مقيماً فى الخارج لما يقارب العشرين عاماً، وبعد شهور من سقوط الرئيس الأسبق حسنى مبارك، أعلن «البرادعى» نيته الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية فى 2012، قبل أن ينسحب رفضاً لعدم وجود دستور يحدد صلاحيات الرئيس، على حد قوله، فى هذا التوقيت. ولد محمد البرادعى، نجل مصطفى محمد البرادعى، نقيب المحامين الأسبق، فى حى الدقى بالقاهرة عام 1942، وتخرج فى مدرسة الأورمان النموذجية، ثم فى كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1962، وحصل على درجة الماجستير فى القانون الدولى من معهد «الدراسات الدولية والتنمية» بجنيف فى سويسرا، وعلى شهادة القانون الدولى من جامعة نيويورك عام 1964، ليبدأ فى العام نفسه حياته العملية فى وزارة الخارجية المصرية، وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 2005، أثناء عمله فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مديراً لها.