هل هي بالفعل صحوة ضمير؟ لماذا اختلفت مشاعر البرادعي بعد أن كان هو بنفسه أول الداعين لاستدعاء العسكر في المشهد السياسي والانقلاب على أول رئيس مدني منتخب؟، هل تأثر البرادعي حقا لسفك الدماء أم أنه اكتشف عقب الانقلاب أنه كان مجرد سلم يصعد خلاله الانقلابيون ثم يقذفونه بعيدا، مع عدم السماح لأي صوت أن يعلو فوق صوت دولة العسكر البوليسية التي فاقت في إجرامها عصر المخلوع مبارك؟ هل تغير البرادعي يعزي لاكتشافه المتأخر أن السيسي قائد الانقلاب يرغب فقط في وضع ديكورات "لا تهش ولا تنش" بل يعملون جميعا في خدمة الدولة العميقة وإعادة رموزها من جديد؟. أسئلة حائرة تتردد مع كل تغريدة جديدة للدكتور محمد البرادعي نائب الرئيس المعين السابق الذي استقال لأسباب أرجعها هو شخصيا إلى سفك الدماء الذي صاحب مجزرة فض اعتصام مؤيدي الرئيس المنتخب، في 14 أغسطس أكبر حادث قتل جماعي غير مشروع في تاريخ مصر الحديث، حسب وصف منظمة "هيومان رايتس ووتش". وقال البرادعي في أحدث تغريدة له على موقع التدوينات القصيرة "تويتر" اليوم الأحد: "من قتل نفسا بغير حق كمن قتل الناس جميعا: أعلى القيم الإنسانية ومسؤولية فردية لا تخضع لرأي الأغلبية. لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه". ويأتي ذلك متسقا مع ما قاله المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية في نص استقالته عقب الفض الدموي للاعتصام، حيث قال: "وكما تعلمون فقد كنت أرى أن هناك بدائل سلمية لفض هذا الاشتباك المجتمعى وكانت هناك حلول مطروحة ومقبولة لبدايات تقودنا إلى التوافق الوطنى. ولكن الأمور سارت إلى ما سارت إليه. ومن واقع التجارب المماثلة فإن المصالحة ستأتى فى النهاية ولكن بعد تكبدنا ثمنا غاليا كان من الممكن- فى رأيى- تجنبه. لقد أصبح من الصعب على أن أستمر فى حمل مسئولية قرارات لا أتفق معها وأخشى عواقبها ولا أستطيع تحمل مسئولية قطرة واحدة من الدماء أمام الله ثم أمام ضميرى ومواطنى خاصة مع إيمانى بأنه كان يمكن تجنب إراقتها". وتسببت استقالة البرادعي في شن حملة إعلامية هائلة ضده بقيادة أبواق الانقلاب الذين هم أشبه بالدعاية الرخيصة التي صاحبت الثورة الشيوعية، من حيث التبريرات الفجة والدوران في فلك الحاكم، والضرب بالقيم الإنسانية عرض الحائط، ولعل ذلك اتضح أيضا في الحملة التي شنها الإعلام على الإعلامي باسم يوسف رغم انتقاده الخجول للغاية للعسكر. ومهما كانت دوافع تغير موقف البرادعي إلا أنه يحسب له استننكاره للدماء، ورفضه أن يستمر في دور "الهتيف" للسيسي، وممانعته لترديد "تسلم الإيادي" مع كل إزهاق لأرواح بريئة، خرجت لتدافع عن حقها في استكمال تجربة ديمقراطية يحاول الانقلابيون وأدها مبكرا.