بجسد أنهكته سنوات العمر التى تخطت ال 105 أعوام، تجلس شفيقة يونس، داخل دكانها الصغير بحى الزيتون على كرسى خشبى متهالك، تنتظر طلة ابنها الأوسط «عادل» الذى حُرمت منه منذ 20 عاماً، مات الشاب وتوقفت حياة السيدة العجوز فى الثمانين من عمرها، اتخذت الدكان من باب رزق مفتوح نهاراً إلى بيت مفتوح تنام فيه ليلاً. بدموعها الحبيسة التى أضعفت بصرها، تحدق عيناها فى كل من يمر أمام دكانها، تتخيل فى وجوه زبائنها ملامح «عادل» الذى رحل عن عالمها ولم تدرك «شفيقة» حتى الآن رحيله. «ابنى مامتش، عادل راجع»، كلمات ترددها السيدة العجوز لكل من يتردد على دكانها الصغير ورغم محاولات أبنائها وأحفادها فى لإقناعها بترك الدكان ورجوعها إلى المنزل: إلا أنها لم تقتنع وتجلس فى دكانها فى انتظار ابنها: «ولادى على طول بيزورونى فى الدكان من يوم ما عادل مشى ومارجعش، عشان عارفين إنى مش همشى من هنا ولا هقفل باب الدكانة إلا لما أشوفه بعينى وأطمن عليه». لم يجد أبناء «شفيقة» حلاً فى إقناع والدتهم بموت شقيقهم «عادل»، فاستسلموا للأمر واضطروا إلى مجارتها، «ملقناش غير إننا نواسيها وكل ما تسأل عليه نطمنها إنه هيرجع، من ساعة ما عادل مات فى حادثة عربية وهى ما شفتوش ولا قدرنا نعرفها حاجة وقتها عشان مكنتش هتتحمل، ومن يومها وإحنا بنحاول نقنعها كل فترة بأنه عند ربنا وهى مش مدركة أى حاجة» - حسب «محمد» الابن الأكبر: «طول الوقت قاعدة جوه الدكان بتشرب وتنام وفتحاه 24 ساعة وإحنا مش سايبينها، وكل ما تيجى سيرة عادل تفضل تعيط لحد ما نظرها ضاع، وعلى قد ما سنها بيكبر وبتنسى كل حاجة، فاكرة عادل ومش نسياه ومش بتنام إلا وهدومه فى حضنها وباب الدكانة مفتوح مستنياه».