سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأزهر.. نفق طويل من الإهمال التقرير المبدئى: قطع الغيار غير متوافرة.. ونظام الإطفاء يعمل جزئياً.. وكاميرات المراقبة كثيرة الأعطال.. وضرورة تجديد وتطوير غرفة التحكم
رائحة عوادم السيارات تزكم الأنوف، الأضواء الصفراء الشاحبة تُخفى ظلمة المكان على مدار ساعات الليل والنهار، الجدران التى تظهر مستقيمة فى مدخل نفق الأزهر للسيارات ونهايته، تتخذ شكلاً دائرياً فى وسط النفق، غاب لونها من كثرة الأتربة المتراكمة عليها، حفيف الهواء الناتج عن مراوح ضخمة، يدوّى فى أرجاء النفق، ممزوج بصوت شفاطات عوادم السيارات، التى تعجز عن استبدال عادم السيارات بالهواء النقى، كما هو منوط لها القيام به. وسط هذه الأجواء يمر أكثر من 60 ألف سيارة يومياً داخل نفق الأزهر للسيارات، ويعبر منه سنوياً أكثر من 15 مليون سيارة سنوياً، وفقاً لتقديرات الهيئة القومية للأنفاق، الجهة التى أنشأت المشروع بتكلفة بلغت نحو 890 مليون جنيه، وقامت بإدارته منذ تشغيله فى أكتوبر 2001 وحتى تسليمه فعلياً بعد 7 سنوات إلى محافظة القاهرة التى تقوم بإدارته حالياً. حسام منصور، أربعينى العمر، يعمل مهندساً مدنياً بشركة «المقاولون العرب» بمنطقة وسط البلد، يعبر بسيارته يومياً نفق الأزهر للسيارات، أثناء تحرّكه من منزله الكائن بشارع صلاح سالم، بمصر الجديدة، إلى عمله بشارع الجمهورية فى وسط البلد، يصف السير داخل النفق: «المشى فى النفق أفضل بكتير من شارع الأزهر الواقف دائماً»، لكن المشاكل كترت خلال الفترة الأخيرة، لأسباب متعددة تتنوع ما بين عطل فنى مفاجئ أو انقطاع الكهرباء أو بقعة زيت أو حادث مرورى. على مدار يومين، تم إغلاق النفق 3 مرات لعدة ساعات، أمام السيارات المارة فى الاتجاهين بسبب انقطاع التيار الكهربائى، يتكرر بعدها غلق النفق لعدة أسباب أخرى تختلف ما بين عطل فنى فى كاميرات المراقبة أو بقعة زيت. من يقف وراء ما يحدث؟ ومن يتحمّل المسئولية؟ الإجابة جاءت من محافظة القاهرة باعتبارها الجهة المسئولة عن إدارة وتشغيل نفق الأزهر، بأن ما حدث هو فعل متعمد من قِبَل بعض العاملين، بسبب إلغاء بعض المكافآت والعلاوات التى كان العاملون يحصلون عليها دون وجه حق، وقامت بتحويل المسئولين عن النفق إلى النيابة العامة، وفى المقابل حمّل العاملون بجهاز تشغيل نفق الأزهر، محافظ القاهرة والسكرتير العام، المسئولية عن أى كارثة تحدث بسبب رفض توفير قطع الغيار المطلوبة. وكشفت التحقيقات التى أجرتها نيابة غرب القاهرة فى واقعة الغلق المتكرر لنفق الأزهر وتكرار الأعطال، أن إدارة النفق قامت بتسليم المحافظة عشرات الخطابات التى تطالبها بتوفير قطع غيار وبعض الأدوات الفنية، لكى تمكنهم من عمليات الصيانة، انتهت تحقيقات النيابة التى أخلت سبيل العاملين بضمان محل إقامتهم، إلى أن المحافظة لم ترد على طلبات مسئولى النفق. وهو ما دفع المهندس إبراهيم سماحة، رئيس جهاز تشغيل نفق الأزهر بالإنابة، إلى الاستقالة، مبرراً قدومه على ذلك بقوله: «لن أنتظر حدوث كارثة قد تحدث فى أى لحظة بسبب تعنُّت المحافظة». إبراهيم الدميرى، وزير النقل السابق، الذى انتهت أعمال إنشاء النفق فى فترة توليه وزارة النقل أول مرة عام 2002، وقامت وزارة النقل، ممثلة فى الهيئة القومية للأنفاق بإنهاء أعمال التسليم النهائية من الشركة الفرنسية المنفّذة، استعداداً لتسليمه لمحافظة القاهرة، أبدى ندمه على تسليم نفق الأزهر لمحافظة القاهرة، نتيجة للحالة المتردية التى وصل إليها النفق، قائلاً: «أشعر بالحزن كلما أرى هذا النفق، وما وصل إليه نتيجة إهمال إجراء الصيانة الدورية له»، متهماً المحافظة بعدم الحفاظ عليه وأنها السبب فى تدهور حالته، لغياب أعمال الصيانة الدورية. فى يوم السبت الموافق 1 مارس الماضى، انتهت اللجنة المشكّلة من خمسة خبراء من الهيئة القومية للأنفاق باعتبارها الجهة المنفّذة للمشروع، واللواء أحمد عبدالله حسن مستشار محافظ القاهرة، باعتبارها الجهة المسئولة عن الإشراف عن جهاز تشغيل نفق الأزهر، بالإضافة إلى ثلاثة من مهندسى الصيانة العاملين بجهاز تشغيل النفق، لتُنهى اللجنة عملها بصياغة التقرير المبدئى عن حالة نفق الأزهر. قدم التقرير الممهور بتوقيعات أعضاء اللجنة التسعة، الذى حصلت «الوطن» على نسخة منه، شرحاً مختصراً عن حالة الأنظمة الفنية باتجاهى النفق، وعرضها التقرير من ثمانية محاور بخلاف التوصيات، بدأها بعرض «نظام إطفاء الحريق»، الذى وصفه التقرير بأنه يعمل جزئياً، حيث توجد بعض مواسير خط الحريق التى يوجد بها بعض التسريبات، بالإضافة إلى عدد من محابس الضغط التى لا تعمل. وبالنسبة إلى كاميرات المراقبة، التى ترصد ما يحدث داخل النفقين وتراقب حركة السير، أكد التقرير المبدئى، المكون من ثلاث ورقات، أن حالتها العامة غير مستقرة وتحدث بها أعطال متكررة، سواء فى الكاميرات المثبتة داخل النفق أو فى جهاز التحكم فيها الموجود فى غرفة العمليات. وأوضح التقرير فى ورقته الثانية، أن السبب يرجع إلى قِدم النظام الذى تعمل به الكاميرات وعدم توافر قطع غيار بديلة لها. نفق الأزهر الذى يصل طوله إلى 3 كيلومترات تقريباً، أسفل شارع الأزهر بعمق يصل فى بعض المناطق إلى 60 متراً تحت الأرض، يتكون من أربع حارات مرورية تتخللها منحنيات، كل حارتين فى نفق مستقل بذاته، حيث يفصل بين النفقين حائط خرسانى، يخصص النفق الأول لعبور السيارات القادمة من شارع صلاح سالم إلى منطقة وسط البلد، بينما النفق الآخر للعودة من الاتجاه نفسه. «لا توجد شكوى فيها حالياً»، بهذه العبارة تحدث التقرير فى نهاية صفحته الأولى، عن الأعمال المدنية داخل النفق، موضحاً أن السبب يرجع إلى وجود شركة متعاقدة مع الجهاز، تقوم بأعمال الحقن وعلاج تسريبات المياه. وفيما يتعلق بنظام «الإسكادا» كما يسميها التقرير، وهو الخاص بغرفة العمليات والتحكم المركزى فى النفق ومراقبة كل ما يحدث داخل النفق على مدار 24 ساعة، وكما يقول الموقع الإلكترونى للهيئة القومية للأنفاق، التى قامت بتنفيذ نفق الأزهر، فقد طالب التقرير المبدئى بتجديد نظام التشغيل بإصدارات حديثة وأجهزة متطورة، نظراً لقِدم النظام المستخدم، سواء «الهارد وير» أو «السوفت وير»، بالإضافة إلى عدم توافر قطع غيار للأجهزة التى تعمل بها. يعمل نفق الأزهر يومياً 16 ساعة، حيث يُفتح أمام السيارات فى السادسة صباحاً وحتى الثانية عشرة بعد منتصف الليل، وفقاً للموقع الإلكترونى للهيئة القومية للأنفاق. تحدثت اللجنة التى أعدت التقرير، عن مشكلة التهوية فى البند الخامس، مؤكدة عدم توافر قطع الغيار لجميع الحساسات الخاصة بقياس نسبة عادم السيارات، وكذلك مستويات الرؤية، بالإضافة إلى الحساسات الخاصة بقياس سرعة الرياح الخاصة بالتحكم فى نظام التهوية، تؤكد اللجنة أنها تحتاج إلى تحديث، نظراً إلى قدم تكنولوجيا هذه الحساسات. تعتمد عملية التهوية على 4 محطات ضخمة تتناثر بطول النفقين فى مناطق «صلاح سالم، ميدان الحسين، تقاطع شارع بورسعيد مع الأزهر، ميدان العتبة»، تقوم بدفع الهواء النقى إلى جميع هذه المحطات على ارتفاع يتراوح من 6 - 8 أمتار فوق سطح الأرض، وكذلك طرد هواء عادم السيارات على ارتفاع 18 متراً من سطح الأرض لتكون أعلى من المنشآت المجاورة، بالإضافة إلى نظام التهوية الطولى فى اتجاه محور النفق من خلال تزويده بمراوح ضخمة فى هذا الاتجاه وفقاً لموقع الجهة التى أنشأت المشروع. وفيما يتعلق بالتغذية الكهربائية، طالبت اللجنة فى تقريرها بتوفير قطع غيار خلايا الجهد المتوسط، نظراً إلى قِدم الخلايا الحالية، وفقاً للهيئة القومية للأنفاق، كما تقول على موقعها الإلكترونى، يضم النفق 4 مصادر رئيسية للتغذية الكهربائية، بالإضافة إلى محطة كهرباء احتياطية. نظام الراديو والتحكم فى التليفونات، أكد التقرير أنه لا يعمل ولا توجد أجهزة محمولة مع أفراد التشغيل أو الصيانة. ووصف التقرير شبكة تليفونات الطوارئ بأن أغلبها لا يعمل ونظام التحكم بها لا يعمل ويحتاج إلى تحديث وإعادة تأهيل. واختتم التقرير المبدئى بوضع 6 حلول فى صفحته الأخيرة وصف أحدها ب«الدائم»، وأغلبها ب«العاجل»، تتلخص فى: ضرورة توفير قطع الغيار المطلوبة، واستمرار وتجديد عقود الشركات الجارى العمل معها، وضرورة توفير 10 أجهزة لاسلكية لأعمال التشغيل والصيانة، وتوفير 3 شاشات للنظام البديل لشاشات المراقبة، وتنفيذ مهام الصيانة والحماية المدنية، وأخيراً تكليف إحدى شركات الخدمة الوطنية الكبرى للقيام بأعمال إحلال وتجديد شبكة مكافحة الحريق. بينما الحلول الدائمة، حددها التقرير فى آخر بنوده: «لا بد من تكليف استشارى متخصص لعمل فحص لجميع الأنظمة الحالية، ووضع الحلول المناسبة لكل نظام على حدة، سواء بالإحلال أو التجديد». أنشئ نفق الأزهر للسيارات، باعتباره مشروعاً بديلاً للمرور السطحى، بهدف منع مرور السيارات داخل منطقة القاهرة الفاطمية بصفة عامة وشارع الأزهر بصفة خاصة، لتصبح المنطقة الأثرية مغلقة تماماً أمام السيارات لتجنّب الملوثات السمعية والبصرية التى يسببها مرور السيارات بهذه المنطقة الأثرية السياحية، كما يذكر موقع الهيئة القومية للأنفاق. وكان مخططاً أن يتم تفكيك كوبرى الأزهر، كما أعلن محافظ القاهرة وقت افتتاح النفق، ويتم الاعتماد على السيارات التى تعمل بالكهرباء فى حركة نقل المواطنين مقابل جنيه واحد للفرد داخل شارع الأزهر، وتم بالفعل إنشاء موقف خاص للسيارات الكهربائية بجوار نادى الخالدين، وفى مواجهة مستشفى الحسين بمنطقة الدراسة. والآن بعد مرور أكثر من 10 سنوات على تشغل النفق لم تستطع محافظة القاهرة تفكيك كوبرى الأزهر بسبب الكثافة المرورية وعدم قدرة النفق على استيعاب السيارات العابرة من شمال القاهرة إلى جنوبها والعكس، وكذلك فشلت السيارات الكهربائية فى نقل الأهالى والمترددين على المكان أكثر من عام واحد، لينتهى بها المطاف فى مخازن المحافظة. يقول اللواء محمد بندارى سكرتير محافظة القاهرة، إن المحافظة قامت بتشكيل لجنة من خبراء ومتخصصين من أساتذة الجامعات المصرية، بهدف دراسة وتحديد المشكلات التى يعانى منها النفق، وتوفير قطع الغيار المطلوبة التى عجز مدير النفق السابق عن توفيرها، مؤكداً سعى المحافظة حالياً إلى توفير جميع قطع الغيار المطلوبة، وإصلاح العيوب والأعطال التى كانت تتسبب فى غلق النفق خلال الفترة الماضية، وفيما يتعلق بمشكلات العاملين يؤكد سكرتير المحافظة أنها فى طريقها إلى الحل فى الفترة المقبلة، موضحاً أن الخطوات التى اتخذتها المحافظة بدأت آثارها فى الظهور على أداء العمل داخل النفق ورفع كفاءته.