على الرغم من إقبال الكثير من المصريين بمختلف الإمكانيات المادية على الاستمتاع بالمناطق الداخلية المختلفة الجميلة بالبلاد فى فترة العيد -على اختلاف قدراتهم المادية- فإن السياحة ما زالت فى حالة متردية للغاية نظراً إلى ظروف عدة لا تخفى على أحد منا، منها ما هو قديم، ومنها ما هو حديث، وازدادت وتيرته مؤخراً كالتحرش والإرهاب وتردى مستوى النظافة وغيرها. والآن وبعد اجتياز فترة العيد ينتظر الجميع بعض الإحصائيات الرسمية الدقيقة حول النشاط السياحى، سواء من الداخل أو الخارج فى تلك الفترة لإعادة تقييم الأوضاع مجدداً وعمل المسئولين على إيجاد حلول سريعة لمواجهة أسباب تراجع السياحة بمصر، سواء الوافدة من الخارج أو السياحة الداخلية. ولكن إذا ما تناولنا المشكلة الأكثر خطورة على السياحة بمصر بعد الإرهاب، ألا وهى «التحرش» بجميع أشكاله، نجد أنها وعلى الرغم من كونها مشكلة عالمية وليست مقتصرة على مصر فقط، فإن مصر بكل أسف تتصدّر المنطقة العربية كأكثر الدول معاناة من هذه الظاهرة المرضية! حيث نجد أنها فى ازدياد رغم الاهتمام بها على المستوى الأمنى وتغليظ عقوبة من يتورّط بها وسرعة إصدار الأحكام القضائية على بعض المجرمين مؤخراً، مما يعكس أننا لم نصل بعد إلى العمل على انحسارها للقضاء عليها، وفقاً لآيات مترابطة ومكملة لبعضها البعض! وهنا أتساءل عن دور الإعلام والمؤسسات التربوية والأسرة وغيرها فى الاستجابة إلى الدعوات المناهضة للتحرُّش بتصحيح مفاهيم عدة عن المرأة روحاً وجسداً، ونشر الوعى بضرورة تغيير النظرة إليها والارتقاء بها لتخرج من حيّز النظرة الدونيّة إلى نظرة أكثر وعياً واحتراماً وتقديراً بعدم التعامل معها من منطلق أنها جسد فقط، كما لو كان جسدها هو نوعاً من أنواع «الابتلاء الربانى»! لقد طرح «بيتر برجر» وهو أحد رواد «علم اجتماع الجسد «مفهومين مهمين فى تصوّره للجسد، الأول أن يكون الإنسان (جسداً) فقط والثانى أن (يمتلك الإنسان جسداً)»! وهذه هى النظرة أو التصور الذى عجز الكثيرون عن استيعابهما!! لقد رصدت بعض الحركات المناهضة للتحرّش والعنف ضد المرأة وبعض وسائل الإعلام الأجنبية تعديات بدنية عنيفة كثيرة فى فترة العيد بمصر بالأماكن العامة والمتنزهات، فيما بين مرتاديها غير أن الإحصائيات قد لا تعكس الواقع بدقة، نظراً إلى أن الكثير من الحالات بكل أسف لا تقوم بالإبلاغ عما تتعرّض له من تحرش، نظراً إلى النظرة المجتمعية التى ما زالت لا تتسم بالوعى بمثل هذه الأمور، سواء كان ذلك التحرش لفظياً أو بدنياً، بالإضافة إلى أن التحرش فى بعض المناطق قد اكتسب مشروعية، نظراً إلى تدنى هذه الأوساط ثقافياً وتعليمياً وأخلاقياً. كما أكد مؤخراً أحدث تقرير عالمى حول وضع المرأة فى العالم أن المرأة دوماً ما تكون ضحية الثورات والحروب والصراعات خلال المراحل الانتقالية ببلدان العالم، حيث تدفع ثمن هذه الصراعات وتسدّد فواتير باهظة للساسة والدول جنباً إلى جنب مع الأطفال دون ذنب ولا حول ولا قوة، ودونما وجود مظلة أمنية أو قانونية أو مجتمعية تحميها، مما تواجهه من مخاطر جمّة؛ ولذلك فقد دعت حركات مناصرة للمرأة بالعالم مؤخراً إلى الخروج فى مسيرات من الرجال والنساء فى المدن العالمية فى 190 دولة، احتجاجاً على تدهور وضع المرأة عالمياً، فيما عُرف «بحملة» أو «انتفاضة المليار»، فى محاولة لإيقاظ الضمير العالمى. وأما بمصر فنجد أن العمل على إيجاد حلول للقضاء على هذه الظاهرة لن ينجح بطرح مبادرات متناثرة هنا أو هناك، ولا حتى بالاهتمام الرسمى بهذه الظاهرة فحسب، وإنما بتكاتف جميع المنظمات والحركات المناهضة لهذا المرض المجتمعى، وطرح تصورات متفق عليها صالحة للتطبيق يمكن بعد ذلك أن تتكاتف مع الجهود الرسمية للتنسيق معها كى لا تكون الجهود فردية أو متناثرة هنا وهناك! آنذاك فقط نكون قد سلكنا الطريق السليم الذى يمكن أن يشكل بدايةً لحلول قد تكون فى الاتجاه السليم.