من باب التذكير، أكتب: فى خريف 1989 أصدر الإمام الخمينى فتوى بإهدار دم الكاتب المسلم الباكستانى الأصل البريطانى الجنسية، حيث تم رصد مليون دولار لمن يقتل الكاتب فوراً. بسبب إصداره رواية: «الآيات الشيطانية» التى هاجم فيها النبى عليه الصلاة والسلام. قامت الدنيا بعد فتوى الخمينى وليس لها اهتمام سوى الجرى وراء سلمان رشدى؛ لقتله بعد أن أصبح مباحاً. ومن يقوم بذلك يصبح بطلاً، ثم جاءت بعدها قصص اختبائه واختفائه وتكلفة التخفى على الحكومة البريطانية التى أصبحت مسئولة عن توفير الحماية له باعتباره يحمل جنسيتها، رغم أنه جاء من دول العالم الثالث. مرة يقال لنا الباكستان، ومرة أخرى يؤكدون أنها الهند. كل الذين تحركوا ضد الرواية لم يكونوا قد قرأوها؛ ولكن الفتوى أشعلت اهتمامهم. سلمان رشدى فى ذلك الوقت كانت قد ترجمت له روايتان إلى العربية ونشرتا فى سوريا، الأولى رواية عمره: أطفال منتصف الليل، والثانية: العار. استعارهما منى إبراهيم عيسى الذى كان فى ذلك الوقت صحفياً وروائياً شاباً واعداً، مقبلاً على الحياة والصحافة والأدب، ولم يعدهما حتى الآن. أما الآيات الشيطانية، فقد ظلت حبيسة اللغة الإنجليزية، ولم تترجم إلى العربية إلا من أجل طباعة عدد محدود جداً منها فى دمشق؛ لأن الرئيس السورى حافظ الأسد أبدى رغبته فى قراءة الرواية، فجرى طبع ثلاث نسخ منها فقط! ذهبت واحدة للرئيس الأسد ولا يُعرف مصير النسختين الآخريين حتى الآن. وقت حدوث الواقعة كان قد مضى على حصول نجيب محفوظ على نوبل سنة واحدة، وأذكر أننا فوجئنا به يقول لنا: - مش صامويل بيكت اتصل بيه؟! قلنا: - صاحب مسرحية: فى انتظار جودو، ومسرحية: نهاية اللعبة. عرضهما مسرح الجيب فى مصر قبل أن يحترق. أكمل نجيب محفوظ: - كان يريد منى التوقيع على بيان للكُتاب الحاصلين على نوبل للتضامن مع سلمان رشدى. سألناه: - وماذا قلت له؟ قال: - وهيه دى عاوزة كلام. طبعاً اعتذرت. ترى ما الذى ذكرنى بسلمان رشدى الآن؟.. ربما كانت البداية من الفيلم المسىء أو الرسوم المسيئة، ولكن المؤكد هو الخبر الذى نشرته بعض الصحف مؤخراً، بأن رشدى سينشر خلال أيام يوميات التخفى والاختباء على مدار ربع قرن منذ فتوى الخمينى بإهدار دمه وحتى الآن، وأن الأوساط الثقافية العالمية تشعر بحالة من الترقب لقراءة مذكرات سلمان رشدى عن الفترة التى قضاها تحت الأرض هروباً من محاولة المسلمين اغتياله. هل هى مصادفة؟! أم أن سليمان رشدى يريد أن يطل علينا الآن مستثمراً الجو الذى أشاعته الحالة العامة سواء بعد الفيلم المسىء أم الرسوم المسيئة؟!. فها هو صاحب الرواية المسيئة يخرج من مخبئه لكى يقول لنا: هأنذا، محاولاً الاستفادة من فتوى إهدار دمه واختبائه ربع قرن.