ثلاث سيارات تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر تغادر الشجاعية. قامت طواقمها بإنقاذ 11 شخصًا من تحت الركام ولكن القتال العنيف أجبرهم على التراجع. وفيما هم يغادرون المكان، يهاجم حشد من الفلسطينيين الغاضبين السيارات بالحجارة والعصي. ويصرخ الناس "لا فائدة منكم، عليكم أن تحمونا". ولكننا لا نستطيع. الغضب مزعج ولا نستحقه ولكننا نفهمه. إننا نبذل أقصى الجهود الممكنة، ويخاطر موظفونا بحياتهم لإنقاذ من يمكن إنقاذهم ولكن لا نستطيع نحن إنهاء النزاع. المنظمات الإنسانية هي كما كانت دائما لزقة مسكّنة وليست حلا للمشكلة. لو كان منزلك في غزة يُقصف، بمن تستغيث؟ في الليلة التي بدأ فيها الهجوم البري لإسرائيل، تعرض شمال شرق غزة لنيران كثيفة. ولم تكن خدمات الطوارئ بما فيها قسم الطوارئ لشركائنا في الهلال الأحمر الفلسطيني لتتحمل مثل هذا العبء. وحاول عدد كبير من الغزاويين الاتصال بنا هاتفيًا، وكان مركز الهاتف في مكتبنا عاجزًا عن مواجهتها. ولم نتمكن خلال ساعات العنف المظلمة من الليل إرسال سيارات إسعاف ولا تصليح إمدادات الماء ولا معالجة المصابين الذين كانوا يلقون الموت متأثرين بجراحهم. وكانت العائلات الفلسطينية معزولة ومرعوبة لا مكان تهرب إليه ولا مساعدة تلوح في الأفق بينما يتصاعد ويشتد غضبها. وبعد ليلتين عاشت مئات من العائلات المأساة نفسها في الشجاعية. ومرة أخرى لم يستطع موظفو اللجنة الدولية ومتطوعو الهلال الأحمر الفلسطيني فعل أي شيء. كان ضربا من الجنون أن تحاول إنقاذ الناس بدون ضمانات أمنية. واتفق في النهار، بناء على طلبنا، على وقف مؤقت لإطلاق النار. وسريعًا ما تم خرقه ولكن مع ذلك نقل عشرات من المصابين من منازلهم المدمرة إلى المستشفيات وانتهز المئات فرصة وجودنا في المكان للهرب. لم يكن ذلك إلا القليل وجاء متأخرًا. فلا عجب أن تتهمنا العائلات التي لا حول لها ولا قوة بالتجاهل والاستخفاف. فعندما يتلاشى الأمل الضعيف الوحيد لديك، تشتد خيبة الأمل. وأطلقت اتهامات أخرى.. اتهمنا بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي في تدمير مستشفى الوفاء. والحقيقة أننا سعينا إلى حماية المستشفى عبر حوارنا مع الجانبين. وعندما اقترب القتال واشتدت خطورته، تدخلنا لكسب الوقت من أجل التمكن كسبيل أخير متبق لنا من إخلاء المرضى ذوي الحالات الخطيرة والعديد منهم كان معتمدًا على جهاز إنعاش. يلوموننا على أننا لا ننحاز إلى أي جانب ونرفض توجيه هذا اللوم. ولأننا نحرص على الحياد السياسي الصارم، نتعرض عادة للنقد من كل الجهات في أوقات مختلفة. ولكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر لا تسكت أمام الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي. لقد أدانا صراحة وبصوت عال القصف المباشر لمستشفى الأقصى في 21 تموز/يوليو الذي تسبب بقتل أربعة أشخاص على الأقل. ونددنا بوضوح بإلقاء الصواريخ العشوائي على إسرائيل. وصرحنا بشكل قاطع أن الناس يجب أن يتمكنوا من تلقي الرعاية الطبية بشكل آمن حتى أثناء القتال. إن أعداد القتلى مروعة وتلقى الهول في نفوسنا. لقد دعونا مرارًا وتكرارًا الجانبين إلى حماية المدنيين وتجنب استهدافهم. وأنذرنا بضرورة حماية إمدادات المياه المتدهورة بشكل خطير في غزة، ويقبع الآن عدد كبير من سكان المنطقة المكتظة محرومين من الماء في عز الصيف الحارق. المدنيون هم الأولوية اليوم بالنسبة إلينا، المدنيون في بيت حانون وفي أماكن أخرى كثيرة من كل أنحاء غزة. إننا نناشد كل الأطراف، بناء على الواجبات الإنسانية التي يقتضيها الوضع، أن تضمن إدارة عملياتها القتالية وفقا للمبادئ الأساسية لحماية المدنيين المتضمنة في القوانين الدولية. ولكن هل تكون مناشداتنا لضبط النفس كافية؟ هل تكون الجهود المضنية المستمرة لنحو 140 موظفا وأكثر من 400 فريق من الهلال الأحمر الفلسطني من أجل إنقاذ المدنيين وتجديد مخزون المستشفيات كافية لتهدئة غضب العائلات الثكالى؟ إننا نأمل في ذلك ولكننا نفهم أيضا أنه قد لا يكون ذلك كافيا. إنه أمر واحد نطلبه: أن تُدرك حدود دورنا ويُنظر بالفعل إلى السياسيين لإنهاء هذا النزاع القاتل والمؤلم.