اعتاد الجلوس على باب الورشة الصغيرة، مهمته محددة، يعلمها أغلب الزبائن، فبمجرد أن يسمع الشيخ ناصر صوت الموتور، يدرك موضع الخلل، ويوجه الميكانيكى صاحب الورشة لإصلاحه. كان المشهد غريباً فى البداية، على الأقل بالنسبة لأصحاب السيارات، لم يتخيلوا أن كفيفاً هو من سيُصلح سياراتهم، العادة فقط هى التى زرعت الثقة بينهم وبينه، وثقتهم فى المعجزات التى قد يؤتيها المولى لعباده، بعضهم كان يغادر الورشة وهو يسب «انتو مجانين»، وآخرون كانوا يخوضون التجربة وفى أذهانهم مشهد محمود عبدالعزيز فى فيلم «الكيت كات».. التجربة قادتهم للتصديق، ليصبح الشيخ صابر «مستشار ميكانيكى»، كما ينادونه، وكما يتعامل معه الأسطى بلية. شهرة ناصر كمال عوض، التى أحدثها فى مدينة 6 أكتوبر، لم تساعده سوى بجنيهات قليلة، يتقاضاها من الأسطى صاحب الورشة مقابل مهمته، ويساعده فيها أبناؤه، ممن ورثوا عنه الإعاقة نفسها، والإرادة نفسها، فقرروا أن يعيشوا فى جلباب أبيهم، ويتعلموا مهارته وهى «الفحص السمعى للسيارات». يحفظ ناصر القرآن، ويرتله بصوت رخيم، وهكذا يفعل مع أبنائه، يعلمهم القرآن والترتيل، فضلاً عن تعليمهم صنعته: «المعاق بشكل عام مالوش حظ فى البلد دى، والكفيف خصوصاً آخره يبقى شحات أو عبقرى، وبلدنا بطلت تطلّع عباقرة، فمش هنسيب نفسنا نطلع شحاتين». «ناصر» لخّص حاله وحال ابنيه خالد ومحمد، خريجى كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، وهما يعملان مع والدهما فى تحفيظ الأطفال القرآن، وتعلم طريقة برايل، ويعاونونه فى الميكانيكا، على الأقل بالدعاية له. يتمنى «الشيخ ناصر» أن تهتم الحكومة بدورها فى المجتمع»: احنا المكفوفين عندنا مواهب وقدرات قوية ومش عايزين حاجة من المجتمع غير إنه يساعدنا معنوياً واحنا مش عايزين حد يتبرع لنا.. احنا نقدر نبنى مصر لكن يكون فيه وظيفة مناسبة للمكفوفين».