مصدر ل«الشروق»: الحكومة توقف إمدادات الغاز لمصانع الأسمدة لحين إشعار آخر    تسلا تعتزم فتح فرعا لها بالمغرب    الحرس الثوري الإيراني: نفذنا هجمات على عشرات الأهداف في إسرائيل    الجيش الإسرائيلي: إسرائيل بأكملها تحت نار الهجمات الإيرانية    ماسكيرانو: الأهلي من أقوى فرق إفريقيا.. ويعتمد على القوة البدنية    عبدالمجيد: الزمالك في أصعب الظروف حصل على السوبر الإفريقي وكأس مصر    ملك زاهر تكشف سبب أزمتها الصحية    رئيس وزراء بريطانيا يؤكد قرب توقيع الاتفاق التجاري مع أمريكا    توتنهام يستهدف ضم مهاجم برينتفورد    القليوبية تعلن جاهزية اللجان لاستقبال امتحانات الثانوية العامة    السكة الحديد: تشغيل قطار روسي فاخر على خط الصعيد كخدمة جديدة    هل تتأثر مصر بأي تسرب نووي قد يحدث في إيران؟    رانيا فريد شوقي تمازح أحمد بدير.. «كان فاكرني عاقلة» | صورة    فات الميعاد الحلقة 1.. أسماء أبو اليزيد تحاول إقناع أحمد مجدى بشراء شقة جديدة    إسرائيل تعلن بدء الهجوم الإيراني وتحذر مواطنيها    لميس الحديدي عن ضرب إيران :الوضع يتطلب منا إدراك المخاطر المحيطة بنا    وزارة الصحة: نجاح فريق طبى بمستشفى الخانكة في إجراء جراحة نادرة لطفلة رضيعة    غرفة عمليات مركزية بالدقهلية للتعامل مع حريق بمنطقة خالية داخل مركز إرسال بطره    إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والمدارس في مصر رسميًا (الموعد والتفاصيل)    نائب رئيس جامعة القاهرة يتفقد امتحانات الفرقة الأولى بطب قصر العيني (صور)    الأحد.. قصور الثقافة تطلق برنامج مصر جميلة المجاني لاكتشاف المواهب بأسوان    منافس جديد لصلاح.. تفاصيل عقد فيرتز مع ليفربول    تفاصيل مران الأهلي.. وفاة نجم المصري.. كابوس يقلق فيفا.. الزمالك يفاوض نجم الأردن| نشرة الرياضة ½ اليوم    رسالة ماجستير فى كينيا تناقش مفهوم الخطايا عند المسلمين والمسيحيين.. بعض الخطايا لا نتغاضى عن الاعتراف بها.. ويحب على الجميع مواجهتها    هل زيارة المريض واجبة أم مستحبة؟.. عالم أزهرى يجيب "فيديو"    مانشستر سيتي يخفض أسعار تذاكر مبارياته في الموسم الجديد    علامات إذا ظهرت على طفلك يجب الانتباه لها    حالة الطقس في محافظة الفيوم غدا السبت 13-6-2025    للوقاية من ضربات الشمس..توزيع أكثر من 5 آلاف مظلة على الحجاج بالمدينة    "حلال فيك" ل تامر حسني تتخطي ال 7 مليون مشاهدة فى أقل من أسبوع    ميناء الإسكندرية يستقبل أولى رحلات "WAN HAI" وسفينة "MAERSK HONG KONG" في إنجاز مزدوج    رحلة تعريفية لوفد من المدونين والمؤثرين الأمريكان بالمقصد المصري    يوفنتوس يجدد عقد مدربه إيجور تيودور حتى 2027    وداع قاسٍ من الربيع.. إنذار جوي بشأن حالة الطقس الأسبوع المقبل ب القاهرة والمحافظات    مطار شرم الشيخ يستقبل رحلات محوّلة من الأردن بعد إغلاق مجالات جوية مجاورة    4 أبراج تهتم بمظهرها.. هل أنت منهم؟    دموع على الكوشة انتهت بتعهد.. النيابة تُخلي سبيل والدي عروسين الشرقية    هجوم إسرائيلي يستهدف "مطار مهرآباد" في طهران    خطيب المسجد النبوي: الرحمة صفة تختص بالله يرحم بها البر والفاجر والمؤمن والكافر    الأهلي يهنئ سيراميكا ببطولة كأس عاصمة مصر    100% لثلاثة طلاب.. ننشر أسماء أوائل الإعدادية الأزهرية في أسيوط    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو لهو طفل بمنتصف أحد المحاور بالمقطم    إزالة 8 حالات تعدي على الأراضي الزراعية بالشرقية    الطيران المدني: المجال الجوي آمن.. ورفع درجة الاستعداد القصوى    وكيل تعليم شمال سيناء يعقد اجتماعًا موسعًا مع رؤساء لجان الثانوية العامة    خطباء المساجد بشمال سيناء يدعون للوقوف صفا واحدا خلف القيادة السياسية    إنفوجراف| إسرائيل تدمر «عقول إيران» النووية.. من هم؟    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 137 مخالفة لمحلات لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    ضبط صاحب مخبز بالمحلة الكبرى استولى على 16 جوال دقيق مدعم وباعها بالسوق السوداء    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر    بعثة حج الجمعيات الأهلية تنظم زيارات الروضة الشريفة    قفزة في الاستثمارات العامة بالمنوفية ب2.8 مليار جنيه في موازنة 2024/2025    كأس العالم للأندية - الأهلي يواصل تحضيراته لمواجهة إنتر ميامي    الدولار الأمريكي يرتفع متأثرا بالضربة الإسرائيلية على إيران    رئيس الوزراء: نتابع الموقف أولا بأول وتنسيق بين البنك المركزي والمالية لزيادة مخزون السلع    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الجمعة 13-6-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    نتيناهو: نحن في لحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل وبدأنا عملية «شعب كالأسد» لإحباط المشروع النووي الإيراني    موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2025.. عطلة رسمية للقطاعين العام والخاص    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سِرُّ الكَحُول
نشر في الوطن يوم 23 - 07 - 2014

لا أحد يدرك سرَّ الارتباط القوى بين «الباشمهندس شحاتة» ورفيق دربه النحيل، متقوّس الكتفين والظهر «مصطفى كابوريا». واللذين يظنان أنهما يدركان كل شىء، يتوهّمان أن ارتباطهما لا ينطوى على أى سرٍّ، أصلاً. فهذا مقاول يبنى شواهق مخالفة لقوانين البناء، وذاك صاحبه «الكحول» الذى يوقع عقود بيع الشقق لمشتريها، باعتباره صاحب العقار القديم والأرض، ومالك العمارة، والشريك الوهمى فى شركة المقاولات المسماة الآن «الفتح» وكان اسمها من قبل «مجموعة النور للمقاولات العمومية» وكانت قبل هذا القبل تسمى: العملاق للمقاولات.. وكلها تسميات على غير مسمى، ولا غرض لها إلا التهرب من الضرائب، ومن المسئولية القانونية إذا انهار البناء أو وقعت واقعةٌ، لا قدَّر الله.
الباشمهندس شحاتة لم يتم تعليمه، ولا يعلم من الهندسة إلا ما يردّده دوماً: الرجل زاوية قايمة، والمرأة زاوية نايمة.. ثم يضحك! لكنه بشهادة الجميع رجلٌ واعر، وذكى، ويحب عمل الخير أحياناً. أما مصطفى كابوريا فقد تخرج فى كلية التجارة من دون أن يتعلم فيها شيئاً مفيداً، ولما انعدمت أمامه فرص العمل أتاح له صاحبه القديم أن يعمل معه فى مكتب المقاولات، كحولاً، ويُسكنه فور تشاهق البناية المُخالفة فى الطابق الأخير منها، لتعويق أية عمليات إزالة مُحتملة، لحين الاحتماء بالسكان بعد الانتهاء من بيع الشقق للمشترين الأوائل بتسهيلات، وسُكانهم فيها. فتصير إزالة المبنى الآهل بالسكان، آنذاك، مستحيلة.
وهما يجتمعان كل ليلة فى مكتب المقاولات المؤقت، فى حدود الساعة التاسعة مساءً، ويبقيان معاً حتى وقتٍ متأخر من الليل. ولا يلتقيان فى النهار إلا لتوقيع عقد تمليكٍ لمشترٍ جديد، أو فى المناسبات الأخرى نادرة التكرار مثل ولائم العيد وحفل الإفطار الجماعى فى منتصف شهر رمضان.. وهى مناسبات ينفق فيها «شحاتة» ببذخ، ويعطف على الفقراء باللحوم والكلام الطيب والمنح المالية.
■ ■
الليلة الماضية التقيا كالمعتاد فى الطابق الأول من آخر العمائر المخالفة، حيث المكتب المؤقت لشركة المقاولات الوهمية. وكالمعتاد لم يكن أحدٌ معهما، وتخلَّلت الجلسة فتراتُ الصمت التى قد تقصر أو تطول، لكنها لا تمتدّ حتى ينسى أحدهما وجود الآخر.. فى هدأةٍ استطال زمانها بتأثير السُّطَل، سرح المقاول بخاطره فى تقلبات حياته التى لا معيار لسيرورتها، وسرى بأفكاره فى وفرة مسمياته. هو عند العاملين تحت إدارته يُدعى «الباشمهندس» وعند المتعاملين معه «الحاج» وعند قدامى معارفه «شحتة الملقاط» وعند زوجته الأولى أيام فقره «المنيّل» وعند الزوجة الحالية التى لم يعد يحبها «حبيبى» وعند فتياته الخليعات والمُستأجرات «حمادة»، وعند موظفى الحى وتماسيح الحكم المحلى «أحمد بيه الشحات».. أين هو فى هؤلاء؟ ومَن هو؟ سأل جليسه وقد انتصف بهما الليلُ:
- هوَّه أنا مين فى كل دول يا تيفا؟
- انتَ ما شاء الله، زىّ الفل..
- الحمد لله، بس برضه.. أنا مين فى كل دول؟
- يا عمّ روَّق. مُش مهم تعرف، مفيش حدّ عارف حاجة أصلاً.
- لأ يا تيفا، لأ. فيه ناس كتير عارفة نفسها كويس.
- زىّ مين يعنى؟
- زىّ مثلاً.. مُش عارف، بس لازم يكون فيه ناس عارفة.. لازم يا تيفا.
- أيوه يعنى، لازم إيه بالظبط؟
- مُش عارف. ما علينا، إحنا ليه فتحنا أم الموضوع ده، ده مالوش آخر.
- ولا ليه أول.. بس الصراحة، الحشيشة دى تحفة.
- يا سلام، لسه واخد بالك دلوقتى. دى لعلمك قندهارى، زيت يعنى، جت لى مع واحد حبيبى من السعودية.
- إيه ده.. هوَّه أنت رُحت العُمرة قُريّب؟
- عُمرة إيه يا تيفا، شكلك مش واخد بالك.
- مش واخد بالى من إيه يا شحتة؟
- من الموضوع ده، اللى كُنَّا بنتكلم فيه مِنْ شوية.
- هوَّه كُنا بنتكلم؟!
- أيوة يا تيفا، كنا بنقول حاجة مهمة.
- يا سلام يا سلام، هوَّه لسه فيه حاجة مهمة؟!
- بقولك إيه يا تيفا. انت شكلك كده فصلت، قوم روَّح أحسن، خلّى محسن السواق الجديد بتاعى يوصَّلك.
- يوصَّلنى فين يا عمّ، أنا ساكن هنا فى آخر دور.
- آه، صح. خلاص اطلع نام، أنا عايز أقعد مع نفسى شوية.
- ماشى يا شحتة، سلام.
■ ■
ببطء المسطولين قام «مصطفى» ليصعد إلى الطابق الثامن عشر، حيث شقته الوحيدة الآهلة بالمبنى المتشاهق، وحيث تسكن وتستكين زوجته السمراء الفاتنة «سلمى» أو تنام الآن آمنةً.. استغرق صعوده السلم المطمور ببقايا مواد البناء، قرابة نصف ساعةٍ لم يشعر بمروره عليه، كالمعتاد. على الدرجات ترنَّحت خواطرُه مع خطواته، مع وقفاته المتوالية لالتقاط الأنفاس والأفكار المتفرقة الدافقة التى لا رابط بينها، وليس لها ضابط، ولا يمكن التعبير عنها بدقةٍ إلا بالمفردات التى همس بها سراً لنفسه: .. العمارة دى فيها حسنة حلوة، يمكن تدخل فى خمسة ولّا ستة مليون.. حلال عليك يا صاحبى.. أنا نصيبى ملاليم، كل عقد باخد عليه خمس تلاف جنيه.. بس حلوين.. ليه شحتة ما يركِّبش الأسانسير قبل ما يبنى العمارة.. آه يانى.. سلمى بنت العبيطة بتقوللى إن شحتة عينه منها، وبيبص لها بطريقة قال إيه مُش كويسة.. بتستهبل.. هو يعنى ناقص نسوان، ولاَّ هىَّ يعنى جميلة الجميلات.. كلام النسوان يودِّى فى داهية.. عايز أشترى عربية مستعملة.. سلمى عايزانى أسيب شحتة وأشتغل لوحدى وأبقى مقاول.. الحكاية مش سهلة.. بس الحشيشة النهارده حلوة.. ياااه، فاضل دور واحد بس.. لأ، دورين.. أول حاجة هاعملها، أصحى سلمى.. ويمكن ألاقيها صاحية.. أيوة.. ونسهر بقى.. بكرة الضهر فيه عقدين، يعنى فيه عشر تلاف جايين.. حلوين.. أنا جعان.. بت يا سلمى.
■ ■
خلال النصف ساعة الصاعد من الطابق الأول إلى الثامن عشر، كان «شحتة» يُهاتف سلمى بصوتٍ ناعم كملمس الحيّات.. لو تنصّت أحدٌ على المكالمة، سوف يسمع ما يلى:
- مساء الخير يا سلمى.
- مساء النور يا شحتة، خير، مصطفى نسى تليفونه عندك تانى؟
- لأ، بس هو لسه طالع. أنا قلت أقولك، واطّمّن عليكى بالمرة.
- طيب، متشكرة.. هاقوم اسخَّن له الأكل.
- لحظة بس، أنتى ليه يا سلمى بتهربى منى كده. طَبْ، لحدّ إمتى يعنى.
- عاوز إيه يا شحتة؟
- انتى عارفة..
- يا معلم شحتة عيب كده والله، وبعدين مصطفى صاحبك يعنى، ومن زمان كمان.
- ماشى، صاحبى.. بس أنا غاويكى أوى، ولولاكى ما كنتش شغلته معايا.
- يعنى إيه يا شحتة، ما أنا كنت قدامك سنين وأيام.
- كنت أعمى.
- وبعدين مصطفى طيب، وغلبان.
- واللهِ وأنا أغلب منه. وبحبّك يا سلمى، وهاموت عليكى.
- يا سلام.. وكل الستات اللى معاك دول، بيعملوا إيه؟
- ولا حاجة، كلهم أى كلام. أنا بحبّ واحدة بس، بس هىَّ قاسية علىَّ شويتين.. ليه القسوة يا سلمى؟
- خلاص بقى يا شحتة، نكمل كلامنا بعدين، شكله كده قرّب يوصل.
_ وأنا بقى إمتى هاوصل؟
- الصبر يا خويا مفتاح الفرج.
_ ماشى يا سلمى، نُصبر علشان خاطرك.
_ خلاص وصل، مع السلامة يا شحتة.
_ مع السلامة يا روح شحتة.
■ ■
لم يعرف أحدٌ سِرَّ الارتباط القوى بين المقاول والكحول، إلا يوم باغتنا الزلزالُ الذى هزَّ الشواهق وشقَّقَ جنباتها.. لحظة وقوعه المفاجئ، كان «مصطفى» جالساً على المقهى المجاور لمحطة قطار أبى قير، المحطة الأخيرة، وكان يستمتع بانتصاره على «مسعود النَّنوس» فى لعبة الدومينو، ويستمع لتفسير كلمة كَحُول من «أسامة خُلخُل» رفيق صباه الذى كان يلتقط معه سرطانات البحر من حوافّ صخور البحر الحىّ. أيام كانت أبوقير منسيةً، وقبل أن تصير اليوم منسيةً ومنهوبةَ الأرض. كان «أسامة» الذى أصبح مُدرِّساً بائساً، يُخبره بأن كلمة كَحُول «رائعة» بحسب تعبيره، وأصلها جميل، لأنها تعنى الثور الصغير الذى تكون عيناه مُكحّلتين بخطٍّ أسود شديد اللمعان، وجميلتين. فلما وقعتِ الزلزلةُ، جرى الجميع على غير هدى واندفع «مصطفى كابوريا، الكَحُول» إلى ناحية البناية المخالفة التى يسكنُ بطابقها الأخير، ووقف قُبالتها مع بقية المذهولين ينتظر الاطمئنان على زوجته الفاتنة السمراء.
ولحظة وقوعه المفاجئ، كان المقاول يُغلق من الداخل باب مكتبه المؤقّت الكائن بالطابق الأول، وينهل من المتع التى لا حدود لها. فلما وقعتِ الزلزلةُ، وتدفّق الرعبُ، طاش عقله فاندفع هو و«سلمى» السمراء الفاتنة، إلى الشارع.. عاريينِ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.