مثل ملايين المصريين شعرت بالصدمة من زيادة أسعار الوقود والمحروقات، التى تزامنت مع رفع الدعم تدريجياً (على خمس سنوات) عن الكهرباء، وزيادة سعر الغاز الطبيعى. فبعد ثلاث سنوات من التدهور الاقتصادى لم يكن المواطن مستعداً لموجة غلاء جديدة، بما يستتبع غلاء الوقود، (سمِّه رفع الدعم جزئياً إن شئت)، من غلاء لوسائل النقل والمواصلات، وما تنقله من خضر وفاكهة ولحوم.. إلخ ما يحتاجه المواطن فى حياته اليومية! لكن تذكرت أن الرئيس «عبدالفتاح السيسى» لم يعدنا برخاء اقتصادى، بل طالبنا بالعمل الشاق، وحذرنا من شدته وحسمه! تأملت الموقف وسألت نفسى: كم يبلغ حجم الدين الذى يجب أن يتحمله المواطن الواحد إذا رغب فى السداد؟ لقد قارب الدين العام الداخلى والخارجى نحو 95% من الناتج المحلى الإجمالى، فحجم الدين المحلى حالياً يُعد الأعلى فى تاريخ البلاد، حيث يتجاوز نحو 1.7 تريليون جنيه، فيما يبلغ الدين الخارجى نحو 46 مليار دولار، وتصل فوائد هذه الديون فى الموازنة العامة للدولة إلى نحو 250 مليار جنيه حتى نهاية العام المالى الحالى. فإلى متى سنؤجل مواجهة أزمتنا الحقيقية، ويشترى الرئيس وحكومته «شعبية زائفة» ويتركنا نعيش على الهبات والتبرعات.. ويؤجل الديون؟! هل سنترك للأجيال المقبلة وطناً «مرهوناً» للدائنين، أم نؤجره من الباطن لمن يدفع لنا ثمن «تأجيل الأزمة».. حتى نفقد سيادتنا الوطنية على أرضنا؟! أعترف أننى -مثلكم جميعاً- لا أعرف كيف سأتدبر ميزانيتى بعد هذه الضربة المؤلمة، لكننى أجبت -بموضوعية- على تساؤلاتى السابقة.. فوجدت أن معاناة جيل أهون من ضياع البلد. نعم، سنعانى جميعاً، والمواطن البسيط لن يفهم فذلكة المثقفين عن عجز الموازنة والدين وفوائده التى تلتهم فرص التنمية والحياة الكريمة للشعب.. ببساطة، إحنا عايشين من أجل تسديد «خدمة الدين» أى فوائده فقط.. والباقى «تسول»! لكن الأمر من ذلك أن الحكومة لم تشرح للناس آليات ضبط الأسواق والسيطرة على الأسعار، حتى صرّح المهندس «إبراهيم محلب» مؤخراً بأن الحكومة تعمل على زيادة الجمعيات التعاونية على مستوى الجمهورية من أجل توفير الغذاء ومنع التلاعب، كما قال إنه اتفق مع وزير الدفاع، الفريق «صدقى صبحى»، على أن تقوم منافذ القوات المسلحة بتوزيع كل السلع الغذائية بهامش ربح قليل. بقى أن نعرف أن خفض الدعم وفّر 51 مليار جنيه، والحكومة أعلنت أن هذا المبلغ سيذهب لملفات التعليم والصحة والضمان الاجتماعى.. أى أنه ذهب للفقراء تحقيقاً للعدالة الاجتماعية. لقد سبق قرار رفع سعر الوقود قرارات بتعديل قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار، وإقرار الحد الأقصى للأجور، وتعديل قانون ضريبة الدخل وزيادة معاشات الضمان الاجتماعى.. كما أمر رئيس الحكومة بترشيد الإنفاق الحكومى، ومراجعة «الصناديق الخاصة» التى أصبحت الباب الشرعى للفساد.. لكننا لم نثمّن هذه القرارات. نحن -إذن- أمام أصعب قرارات اقتصادية منذ 40 عاماً مرت على مصر وعلى منظومة الدعم، ودعم هذه القرارات -رغم صعوبتها- هو الشهادة الشعبية للرئيس «السيسى».. وللشعب نفسه الذى يرفض مذلّة الدين والتبرعات ليتوج ثورته بالعمل والإنتاج. ليس أمامنا إلا السعى نحو الاستقرار، وتفهم الإصلاحات الهيكلية التى يحتاجها الاقتصاد، حتى نستعيد السياحة والاستثمارات الخارجية.. فزيادة الإنتاج هى التى توصلنا لزيادة الدخل العام. وقبول هذه الإصلاحات المؤلمة، لا بد أن يقابله من الحكومة تفعيل لقانون التمويل العقارى الذى خصص من أجله 20 مليار جنيه، والإسراع بتنفيذ الوحدات السكنية المخصصة لمحدودى الدخل.. وتحقيق المشروعات العملاقة التى توفر فرص العمل للشباب وتطوير العشوائيات.. إلخ المهام التى تقضى على الفقر والعوز وتجهض «ثورة الجياع» التى تخطط لها «الجماعة الإرهابية». بقى السؤال الذى لم أجد له إجابة فى قلب هذه المعضلة الاقتصادية: (كيف سأتدبر أنا شخصياً ميزانية هذا الشهر)؟!